هزاع أبوالريش
تهدف استراتيجية القوة الناعمة لدولة الإمارات إلى «إعداد منظومة حكومية شاملة لبلورة برامج وسياسات عمل مستدامة ذات بعد إقليمي وعالمي، يشمل كافة مقومات الدولة الاقتصادية والثقافية والفنية والسياحية والإنسانية والمجتمعية، مع التركيز على الثقل الإنساني والحضاري والبناء على سمعتها، وإبراز الصورة الحضارية لدولة الإمارات وإرثها وهويتها وثقافتها المميزة». وفي الجانب الثقافي والفني، أثبتت هذه الاستراتيجية فاعليتها ونجاحها الاستثنائي، وعكست رؤية حكيمة، من خلال العديد من الفعاليات والمبادرات والجوائز التي تحتفي بالمبدعين في مختلف أوجه النشاط الثقافي والفني محلياً وعربياً وعالمياً.
في البداية، تقول الدكتورة عائشة الشامسي، رئيس قسم اللغة العربية في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية: «من أهم مرتكزات القوة الناعمة هي الثقافة، واليوم دولة الإمارات العربية المتحدة، سبقت مثيلاتها من الدول في هذا الجانب، حيث نرى حضور الجوائز الأدبية والثقافية والتي تستهدف العالم بأسره، ليبقى اسم الإمارات مضيئاً يتردد في أذهان المفكرين والمثقفين والمبدعين. ولم تكتفِ الإمارات بصناعة مفهوم ثقافي تنافسي جاذب داخل الدولة فقط، بل جذبت واحتضنت أهم الأحداث الثقافية العالمية الكبرى، بالإضافة إلى أنها اهتمت بتكريم المثقفين والمفكرين والمبدعين من سائر بلدان العالم».
وتابعت الشامسي: هكذا سارت الثقافة كقوة ناعمة، وفق استراتيجية موضوعة بكل وضوح وشفافية، ورؤى ناجحة، ما جعل الإمارات توظف أنجح المصادر وأهمها لترسيخ ودعم جوانب القوى الناعمة، مما يسهم في تحقيق طموحاتها وأهدافها ومصالحها الثقافية. مختتمة: هذه الرؤى الاستراتيجية التي تبنتها الدولة استشفت أهم مرتكزاتها الثلاثة الأساسية، وهي الثقافة والسياسة الداخلية والسياسة الخارجية، وهذا ما جعلها تتبوأ أهم المراكز العالمية، وأن يكون لها قدر وشأن كبير بين الأمم.
من جانبها، تقول فاطمة عدنان الشرهان، كاتبة وفنانة تشكيلية: القوة الناعمة الإماراتية استراتيجية تسعى من خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة لتعزيز مكانتها الدولية، وإبراز هويتها الثقافية والحضارية، حيث نراها حاضرةً بقوة من خلال عناصر رئيسية، منها الثقافة والأدب على الصعيدين المحلي والدولي، مؤكدة أن استثمار الدولة في البنية التحتية الثقافية يعزز من وجودها في هذا الجانب، وذلك من خلال توفير مساحات للإبداع والتبادل الثقافي، على سبيل المثال لا الحصر «متحف اللوفرأبوظبي» و«معرض الشارقة الدولي للكتاب»، هما خير شاهد على مكانة الدولة المرموقة في الجانب الثقافي واستثمارها فيه، هذا عدا الجوائز الأدبية التي تعزز الإبداع، ومشاركاتها الدولية في المحافل الثقافية العالمية كذلك. ويعود هذا الأمر لأسباب محورية عدة تدعم توجهات الدولة، وأهمها الترابط الثقافي العالمي، وتعزيز قيم الهوية الوطنية الإماراتية ومواكبة المنافسة الدولية.
وبيّنت الشرهان، أنه مطلوب توسيع نطاق الجوائز الأدبية حتى تترك أثراً كبيراً وتشجع المزيد من المبدعين للمشاركة والكتابة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لزيادة برامج الدعم الشبابي في المجالات الثقافية والأدبية دور كبير في زيادة التمثيل الإماراتي عالمياً، وقد يساعد على اكتشاف المواهب الجديدة على المستوى المحلي، وأيضاً التشجيع على الترجمة وهذا ما نشهد فيه جهوداً طيبة في الآونة الأخيرة، وذلك لترجمة الأدب الإماراتي، فمن خلال هذا الدعم سيصل صوت الكتاب الإماراتيين للعالم، وسيوسع من نطاق التفاهم الثقافي بين الشعوب، وهناك المزيد أيضاً، مثل دعم الابتكار الثقافي، وتقديم حوافز لتطوير منصات أدبية تعنى بالثقافة والأدب لتوسيع قائمة الجمهور المستهدف، وأيضاً تعزيز الحضور الإعلامي كزيادة التغطية الإعلامية للإنجازات الثقافية والأدبية، والترويج للموروث الشعبي، من خلال الاستثمار في إبراز التراث الإماراتي بشتى الطرق التي تظهر مدى عمقه.
حضور ثقافي وفكري
يقول جمال الشحي، كاتب وناشر: بلا شك، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقود اليوم المرحلة الثقافية، بما تقدمه من حضور ثقافي، فكري وأدبي للمنطقة، مقدمة الثقافة على طبق من الوعي المهم الذي يعد إضافة كبيرة للإنسانية، وهذا ما نراه ونشاهده من خلال الفعاليات والمسابقات والجوائز التي تقدمها للمفكرين والمبدعين والأدباء والمثقفين، فكل ذلك يعد بمثابة حافز لزيادة الإنتاجية الإبداعية، وأن يكون الإبداع هو الهاجس لدى أبناء المنطقة. ويضيف: ومن هنا تكون الخطوة الرائدة والرؤية الاستراتيجية التي تتبناها القيادة الرشيدة كون الثقافة هي المحرك الأساسي للأمم والدول، وهي القاطرة التي تصل العقول بمستقبلٍ مليء بالآمال والإنجازات والتطلعات المشرقة.
ويوضح خالد العيسى، كاتب وشاعر وناشر، أن الحراك الإماراتي الآن في أوج حضوره الإبداعي، الذي يدعم المبدع ويجعله مستمراً في الإنتاجية والحضور، حيث تبدو أفكاره شعلة تنير الطريق وتصل إلى الآخر بثقة وجدارة عالية في المحتوى والمضمون، مشيراً إلى أن كل هذا يعكس جهوداً كبيرة تعمل على تحفيز ما في داخل المبدع ودراسات معمقة واستراتيجيات واضحة ومعنيين يعملون على الثقافة، وكيفية الاستثمار فيها، ما جعل الإمارات أيقونة ثقافية مهمة ومُلهمة في المنطقة، والعالم، وهذا ما نراه من خلال مشاركاتها الدولية.
منارة للإبداع
من جهتها، توضح الدكتورة نهى هلال فران، مؤرخة فنية، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة التفكير فنياً للنشر والثقافة والتعليم، أن القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة تعد إحدى الركائز الأساسية التي ساهمت في تعزيز حضور الدولة ومكانتها على الساحة العالمية، منارة للإبداع الفكري والحوار الثقافي. وكدولة تتبنى قيم التسامح، وتمكين المعرفة، وصياغة مستقبل مشترك قائم على التفاهم والتعاون، مشيرة إلى أن ذلك يعكس حكمة ورؤية القيادة الرشيدة، وإدراكها أهمية الاستثمار في الثقافة كوسيلة لتعزيز الهوية الوطنية وإبراز مكانة دولة الإمارات عالمياً.
وتضيف فران: «تعكس الجوائز الأدبية المرموقة، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب، والفعاليات الكبرى والشاملة، مثل معرضي أبوظبي الدولي للكتاب، والشارقة الدولي للكتاب، الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة للنهوض بالثقافة والأدب، وهذا الدعم يشكل حافزاً للمبدعين داخل الدولة وخارجها، حيث تحرص دولة الإمارات على المشاركة الفاعلة في الفعاليات الدولية، مما يعزز دورها كجسر للتواصل الثقافي بين الشرق والغرب»، مبيّنة أن الإمارات حققت إنجازات كبرى، تتمثل في إطلاق ورعاية جوائز أدبية مرموقة أصبحت محط أنظار الأدباء والمثقفين من مختلف أنحاء العالم. ولا تقتصر هذه الجوائز على المكافآت المادية فحسب، بل تسلط الضوء على الإبداع العربي وتدفع به نحو العالمية. ومن أبرز تلك الجوائز، جائزة إيكروم- الشارقة، التي تؤكد التزام الإمارات بالحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة وإبرازه عالمياً، وتكريم الجهود المبذولة ودعمها، كما يسهم معهد الشارقة للتراث ومركز أبوظبي للغة العربية في تأكيد حضور التراث وتعزيز اللغة العربية عالمياً. علاوة على ذلك، فإن الاستثمار في الفنون والبنية التحتية الثقافية، يتجلى في مشاريع كبرى، مما يضع الإمارات في مصاف الدول الرائدة في دعم الفنون والثقافة.
منصات رائدة
تقول الكاتبة الدكتورة فاطمة المعمري: «تُعد الجوائز الأدبية الإماراتية، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب وجائزة البوكر العربية، منصات رائدة تحتفي بالإبداع الأدبي، وتدعم الكُتّاب محلياً وعالمياً، مما أسهم في الارتقاء بمستوى الإنتاج الأدبي وتشجيع التميز الثقافي. وعلى صعيد المشاركات الدولية، ساهمت الإمارات في تعزيز قوتها الناعمة، من خلال فعاليات مثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، وغيرها من الفعاليات التي أصبحت وجهات عالمية تستقطب نخبة المبدعين والناشرين، مما يعزز الحوار الثقافي والانفتاح على العالم.