السبت 18 يناير 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

د. عبدالله الغذامي يكتب: الشتيمة بوصفها صانعة للهوية

د. عبدالله الغذامي يكتب: الشتيمة بوصفها صانعة للهوية
18 يناير 2025 02:13

كان الوثائقي في التلفزيون الألماني (DW) يستضيف عدداً من المهاجرين والمهاجرات في ألمانيا، وكيف يرون أنفسهم في بيئة شبه قابلة لهم ورافضة لهم في آن واحد، فهي تقبلهم ورقياً، وترفضهم ذهنياً، مما يحول الإنسان إلى كائن ورقي، أي أن أمانه الوحيد هي ورقة في جيبه تثبت أن له هويةً رسميةً تجعله إما لاجئاً رسمياً، أو مواطناً بالتجنيس، وبعدها تأتي مشكلة اللغة التي هي شرط لأن يكون واحداً من الناس في ذلك الموقع الجغرافي المحدد، وإن حل مشكلة اللسان، فإنه لن يحل مشكلة سحنة الوجه ولون العينين، وسيظل حبيساً لمعنى معلنٍ على وجهه يقول إنه ليس ألمانياً، حسب شرط اللون، ولن تفيده اللغة هنا، لأن لون وجهه يسبق نطق لسانه، وما بين الوجه واللسان تقف هويته ويقف معنى وجوده، ومن ثم معناه كإنسان لأنه سيكتشف دوماً أن علاقته مع المكان غير مستقرة مما يفضي لغربة الروح، ويجعل مستقبله يخضع لتقلبات السياسة والحزب الذي يسيطر على البرلمان، وهل سيكون حزباً يسارياً لا يحارب المهاجرين، أم يمينياً يتربص بهم، ويحاول حجرهم في زاوية التذكير المتصل بأنهم ليسوا من أهل هذه الأرض.
 تحت هذا الحس اللكيع وجد شاب أفغاني الأصل هويته ليس في ألمانيا التي منحته هويتها رسمياً، ولكنه وجدها في سويسرا وعبر نادل في مطعم غضب من هذا الشاب فشتمه بقوله (أيها الألماني اللعين)، هنا تذكر أنه ابن مهاجر أفغاني تحصل أبوه على الجنسية الألمانية وولد الابن ألمانياً، وكانت تمر عليه في وطنه ألمانيا كلمات تنفي كونه مواطناً ألمانياً، لكنه وجد في شتيمة النادل السويسري معنى يمنحه هويةً، وهنا التفت الفتى لذلك النادل ليشكره ويبدي له الامتنان، لأنه وصفه بالألماني، ولا بأس لديه أن يكون لعيناً أو نذلاً، أو أي صفة مشينة بما أنه رأى نفسه ألمانياً في عيون غيره. وهذه حسب روايته أهم قصص حياته التي يود أن يورثها لأبنائه، وهي تلك الشتيمة التي منحته هويته وجعلته يشعر بالغيرة على وطنه، وإن قبل أن يكون لعيناً لغرض نفسي ومعنوي يخصه، لكنه قرر أن يجعل السفر خارج ألمانيا يشبه سفرات العلاج، وكلما احتاج لعلاج عن مشكلة الهوية فليس له ألا أن يسافر ليتلقى شتيمة تجعله ألمانياً. هكذا كان وجه ابن المهاجر الأفغاني الذي هو الكميرة التي صنعت تلك المعاني لتعبر عما في داخل رجل مكلوم بمعناه الوجودي، وعلاقته مع المكان.
 * كاتب ومفكر سعودي- أستاذ النقد والنظرية/ جامعة 
الملك سعود - الرياض

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©