طرح أفلاطون نظرية الفيلسوف الحاكم بافتراض أن الفيلسوف هو الأقدر على الحكم، ولذلك سبب عملي بعد سخط أفلاطون على الديمقراطية التي قتلت سقراط تحت تأثير الغوغاء الذين ضجوا ضد سلوك سقراط ونظام تفكيره، ما أفسد شباب أثينا حسب دعواهم، وقضت المحكمة بقتل سقراط وهو مطلب جماهيري، وهذا ما جعل أفلاطون يرى أن الديمقراطية هي حكم الرعاع، وأن الفيلسوف وحده هو الأعقل والأحكم والأعرف بشؤون البلاد ومصالح الناس، لكن فكرته لم تجد أي استجابة لا في وقته، ولا بعد وقته.
على أن فكرة تسامي الفيلسوف لم يعد لها مقام اليوم في زمن التعددية، وزوال الأب الفيلسوف أو الفحل الشعري. وهو الزمن الذي أشار فيه جون سيريل إلى الفضيحة الفلسفية، حيث ظلت الفلسفة لقرون تدور حول نفسها مكررةً الإجابات عن القضايا الكبرى مثل قضية الإرادة الحرة التي قال عنها ديكارت إننا نستطيع إدراكها، ولكننا لا نستطيع تفسيرها، وظل الفلاسفة يدورون حول هذا المأزق، وإن تخلص منه كانط وتابعه هيجل، ولكن البقية ظلوا في الدوران حتى أخذوا يسلمون الراية لعلماء الأعصاب، الذين ينفون وجود الإرادة الحرة، ويجزمون أنها وهمٌ، وأننا كبشر محكومون بالحتمية البيولوجية، وهي التي تقرر اختياراتنا مهما توهمنا أننا نحن من نختار، وهذه صفة الفضيحة الفلسفية حين سلم الفلاسفة بأخطر سؤال يهم الكائن البشري، وتركوه للمختبر مع عالم أعصاب لا يهمه إلا ما تقوله له الآلة عن مخ الإنسان. وكما ورد في إحصاء حديث عن تزايد نسبة الفلاسفة والعلماء ممن يقولون إن الإرادة الحرة مجرد وهمٍ، وتلك فضيحة تجعل الفلسفة التقليدية تنتهي نهاية مأساوية لمن هم أهل تفكير حر، ويتيقنون أنهم يملكون إرادة حرة، وإلا فلن يصح منهم ادعاء تملك الفكر الحر.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض