فاطمة عطفة
تشغل الإمارات وعاصمتها أبوظبي مكانة عالمية مرموقة في مجال الثقافة الإنسانية، بكل تجلياتها الفكرية والمعرفية والفنية، وتشير هدى إبراهيم الخميس، مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي، في حديثها لـ«الاتحاد» إلى حقيقة أن أبوظبي هي عاصمة الابتكار، والإبداع ووجهة المبدعين، وحاضنة الثقافة والفكر والمعرفة. وتضيف: أبوظبي هي بالفعل الفضاء العالمي الواسع والممتد للثقافة الإنسانية، وكانت على الدوام منارة فكر حر ينظر إلى المستقبل بطموح الشيخ زايد وإخوانه الآباء المؤسسين، طيّب الله ثراهم، بكل ما تعنيه الثقافة الإنسانية من أبعاد وقيم التعددية والتنوّع واحترام الآخر وحوار الثقافات.
وتنتقل الخميس للحديث عن الدور الذي قامت به منذ تأسيسها مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون عام 1996 ثم مهرجان أبوظبي عام 2004، موضحة أن الإسهام كان في إثراء الرؤية الثقافية لأبوظبي والإمارات، ونحن نجسّد هذا الدور من خلال مجموعة متنوعة من المبادرات والبرامج والفعاليات والجوائز وأعمال الإنتاج المشترك والتكليف الحصري في مجالات الثقافة والفنون والصناعات الإبداعية.
وحول البدايات والتحولات الجوهرية للتجربة الثقافية في دولة الإمارات، من البدايات الأولى حتى البنى التحتية الممتدة، وأهمية أن تعبر المدينة عن هويتها البصرية من خلال التفاعل بين البيئات الإبداعية، محلياً وعالمياً، تقول هدى إبراهيم الخميس: «لأنّ الثقافة هي التجسيد الحي لهوية وآمال وأحلام الشعوب والمجتمعات، وانطلاقاً من هذه القيمة فقد أولتها قيادة الإمارات الرشيدة كل اهتمام، منذ بدايات التأسيس مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، حتى يومنا هذا في ظل القيادة الحكيمة لسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. فمن بناء المجمّع الثقافي في أبوظبي مطلع ثمانينيات القرن الماضي حتى إنجاز أكثر من 83٪ من أعمال البناء في المنطقة الثقافية في السعديات بمتاحفها ومؤسساتها الثقافية الكبرى، والتي يكتمل بناء مختلف مشاريعها عام 2025، تتواصل مراكمة إنجازات مشهد الثقافة والفنون في الدولة، وتتكامل تعبيرات الهوية الثقافية من خلال الهويات البصرية والبيئة الإبداعية المحلية. كما أننا نعمل على تعزيز الحضور الإماراتي عالمياً بجهود الدبلوماسية الثقافية، وهذا الأمر يعكس التمازج الخلاق بين بيئتنا الإبداعية والعالم، عبر الحداثة والانفتاح على الآخر والحوار من جهة، والأصالة والتراث من جهة أخرى».
مشهد نابض بالحياة
فيما يتعلق برؤيتها واهتمامها بالموسيقى، من خلال ما يقدمه مهرجان أبوظبي من فعاليات موسيقية استثنائية تلقى إقبالاً كبيراً، تقول هدى إبراهيم الخميس: «الموسيقى هي الفكر حين يتجسّد نغمة وصوتاً وأوتاراً، وهي روحٌ تتجلى في الإيقاع، فهي اللغة التي توحّد كلّ الناس، يلتقون حول جمالها وعذوبتها، وأبوظبي هي مدينة الموسيقى حسب تصنيف اليونيسكو ضمن شبكتها للمدن الإبداعية، وذلك اعترافاً بنهضة مشهدها الموسيقي النابض بالحياة، من مؤسسات ومهرجانات عالمية ومراكز موسيقية، وغيرها».
وتضيف: الموسيقى تعني الكثير بالنسبة لي، فهي ترتقي بذائقتنا وتهذّب طباعنا، وتنقلنا إلى عوالم الخيال والإلهام على أجنحة من نور، علاقتي الإنسانية الأولى معها، هي علاقة شغف بلا نهاية ولا حدود. ومهرجان أبوظبي منذ تأسيسه عام 2004 مثّل مرآةً للمدينة وروحها، بناسها ومبدعيها والثقافات العالمية التي تلتقي على أرضها. وكلّ ما قدّمناه على مسرح المهرجان يعكس ريادة الإمارات وإبداع أبنائها في الموسيقى والفنون، من أصغر عازف وموهوب إلى أبرز مؤلف موسيقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أذكر أداء سارة القيواني، أول سوبرانو إماراتية في قاعة زها حديد بقصر الإمارات، إلى جانب فرقة موسيقية جمعت موسيقيين من برنامج الأكاديمية من «مدرسة جوليارد» و«معهد ويل للموسيقى» التابع للصرح الموسيقي الأهم في نيويورك «كارنيغي هول» ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي 2011، كما أشير إلى مسيرة المبدع إيهاب درويش الذي انطلق من مهرجان أبوظبي ليصل إلى خشبة مسرح قاعة والت ديزني العريقة في لوس أنجلوس في لحظة فارقة للمشهد الموسيقي في الإمارات، فلأول مرة، تتم دعوة مؤلف موسيقي إماراتي للتأليف والأداء، إلى جانب مجموعة من أساطير مؤلفي موسيقى الأفلام في حفل موسيقي واحد. ويلتزم المهرجان من خلال برنامجه التعليمي والمجتمعي بتنمية المهارات وبناء القدرات، ويدعم المبدع الإماراتي في مسيرته المهنية، وصولاً إلى تقديمه على المستوى العالمي، وفي هذا كله حكاية التزام واحتضان لا تتوقف.
وتستطرد الخميس بقولها: «تتطور الفضاءات الموسيقية مع بناء الشخصية المثقفة والمبدعة التي تشارك بفعالية في مسيرة تطور وازدهار المشهد الموسيقي، حيث يتعلم الطالب منذ نعومة أظفاره، الموسيقى ويلتصق بالفنون، في المدرسة، وعبر الأنشطة اللا صفّية، وهنا نجدد التزامنا بأهمية تعليم الفنون، وهذا ما نحتاجه أكثر من أي وقت مضى لتطوير قطاع صناعة الموسيقى. أعني أن دولتنا وبرؤية قيادتنا الرشيدة دعمت المنظومة الثقافية المتكاملة في الدولة، ووفّرت البنية التحتية المثالية، ويبقى العمل على بناء الموسيقي المبدع عازفاً ومؤلفاً ومنتجاً. وكل ما تبنيه الإمارات من دور أوبرا ومسارح ومراكز موسيقية بمعايير عالمية، هو جزء لا يتجزأ من المنظومة الثقافية والإبداعية في الدولة، وهناك ارتباط ضمني بالتأكيد بين المكان الموسيقي والحالة الموسيقية لكل بلد، فلا بدّ من موقع ومكان يستضيف فعالياتنا الموسيقية طبعاً، ويتيح لنا أن نستضيف كبار الفنانين والمبدعين وكبريات فرق الأوركسترا والأوبرا والباليه، وأن نعتز بما نقدّمه على خشب مسارحها من عروض عالمية وعربية أولى، لذلك لنا أن نتخيل مشهدية المكان من خلال ما نراه في دار دبي للأوبرا كمثال، أو مسرح خورفكان، أو من خلال متاحف ومؤسسات المنطقة الثقافية في السعديات، أو مسرح قصر الإمارات، أو المسرح الوطني في أبوظبي، أو غيرها، لنشهد بوضوح عظمة نهضة الوطن، ثقافياً وفنياً ومعرفياً.
رعاية المواهب
تضيء هدى إبراهيم الخميس في حديثها على الدور الذي تقوم به مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون ضمن المشهد الثقافي في الإمارات، قائلة: «نؤكد التزامنا الدائم برعاية المواهب الفنية وبناء الجسور وتعزيز التبادل الثقافي، والاستثمار في الشباب عبر المبادرات التي تطوّر المهارات وتحفّز التفكير الإبداعي الحر، كما نعمل بجهود الدبلوماسية الثقافية مع أكثر من 37 شريكاً استراتيجياً من كبريات المؤسسات الثقافية والمهرجانات الدولية، لترسيخ مكانة أبوظبي كملتقى عالمي للثقافات، وحاضنة للمبدعين العرب والعالميين، ومنارة لحوار الثقافات تسهم في إعلاء قيم التعايش والتلاقي والأخوة الإنسانية، ونسعى جاهدين لتقديم الأعمال العالمية الأولى التي تعكس التميز الإنساني بغض النظر عن الهوية واللغة، وتشرك الناس على اختلاف ثقافاتهم وإمكاناتهم.
وفي الختام، تتناول هدى إبراهيم الخميس الحراك الفني الذي تشهده الإمارات، فتقول: «تعكس ملتقيات الفنون بمختلف مدارسها ومنهجياتها التعبيرية القواسم الإنسانية المشتركة في الثقافة والمعارف والفنون، كما تعبّر عن هوية الشعب وثقافة سكّان المكان، كما تجسّد جماليات العمارة واللغة والبيئة وعراقة التاريخ والحضارة، حيث يصبح الفنان شاهداً على كل التفاصيل الفنية وملامح الهوية الخاصة بنا، وفي الإمارات نشهد استدامة تنظيم بيناليات الفنون في أبوظبي ودبي والشارقة؛ كدليل واضح على رعاية القيادة الرشيدة، ورؤيتها الحكيمة لاستدامة النهضة الثقافية والفنية، وأنا أستطيع القول بكل ثقة، إننا شهدنا ازدهاراً وتطوّراً لحراك الثقافة والفنون بشكل عام، والحراك الفني التشكيلي، خاصةً في الدولة منذ التأسيس، ولأكثر من خمسين عاماً من الإنجاز حتى يومنا هذا، حيث عبّر باقتدار عن مجتمعنا وقيمنا وأبرز ما يتسم به المجتمع الإماراتي من تعددية وتنوّع ثقافي وفكري بقيم التعايش والتواصل والحوار.