الأحد 27 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 35 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«قصة الفلسفة».. مدخل إلى أم العلوم

«قصة الفلسفة».. مدخل إلى أم العلوم
22 ديسمبر 2024 01:48

إيهاب الملاح
ما يقرب من 55 عاماً مرت على صدور هذا الكتاب صغير الحجم، في حجم كف اليد الواحدة، عظيم القيمة والأهمية والأثر، لأستاذ الفلسفة القدير الدكتور مراد وهبة بعنوان «قصة الفلسفة»، والذي صدر في سلسلة (اقرأ) العريقة في عام 1969. ومنذ صدوره، والكتاب مثَّل لكل من قرأه تجربة عظيمة وممتازة في مقاربة عوالم «الفلسفة» وآفاقها التي لا تحد، وتاريخها منذ أقدم العصور!
واكتشفت عبر عديد من الشهادات الشخصية والكتابات الفردية الأثر الكبير والعميق لهذا الكتاب في نفوس وعقول قرائه،! فقد مثَّل -منذ صدوره- مدخلاً رائعاً لأم العلوم باعتبارها نعمة الإنسانية الكبرى، وإدراكها أنها تتميز عن غيرها من  بخصيصة «التفكير والفكر والتفكر»، والتطلع إلى البحث والسؤال والنظر، هذه هي «الفلسفة» في أبسط معانيها وأيسرها على الإطلاق.

وعبر ما يزيد على نصف القرن، تجددت المطالبات من شرائح كبيرة وواسعة من الدارسين والباحثين وعموم القراء في مصر والعالم العربي، بإصدار طبعة جديدة من هذا الكتاب «المدخل» بعد أن بعد العهد بين آخر طبعاته ووقتنا هذا. من هنا جاءت هذه الطبعة الجديدة المصورة عن الأصل، بمؤسسة دار المعارف بالقاهرة، في إطار سلسلتها «روائع اقرأ». والقارئ لهذا الكتاب المدهش سيكتشف أن من أهم وأجلِّ فوائد «الفلسفة» منذ انتبه الإنسان إلى ذاته، وإلى قدرته على «التفكر والتأمل والسؤال»، اكتشاف قيمَتين أساسيتين، أصبحتا من أهم سمات التفلسف أو «التفكير الفلسفي» بالجملة، وهما ما يمكن أن نطلق عليه في تكونه الأخير «النزعة الإنسانية»، و«العقل النقدي» الذي ينتصر للقيمة عبر فحص نموذجها النظري.
يقول نجيب محفوظ -كاتب العربية الأكبر والأشهر- في معرض شهادة له عما قدمته «الفلسفة» له وعما تعلمه منها أثناء دراسته لها بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد تتلمذ على يد كبار أساتذتها:
«الفلسفة علمتنا أشياء كثيرة.. علمتنا كيف لا نتسرع بالحكم على الأشياء، بل نتأملها.. وكيف نتسامح للدرجة التي لا تُخلّ، بأن لكل شيء أكثر من وجه، وكل موقف له خلفياته.. وكان الواحد منا في أشد الأزمات، البعيدة عن الفلسفة، فتعطي له قدراً كبيراً من العزاء العقلي، لأن هناك عزاءً عقلياً مثل العزاء الروحي تماماً، وقد مثلت لنا الفلسفة العزاء العقلي بكامل استحقاقاته وتصوراته».
رحلة عبر الأسئلة
وإذا كان لكل علم قصته، وتاريخه، مع البشرية منذ فجرها، ففي «قصة الفلسفة» الكتاب الذي لا يتجاوز 136 صفحة من قطع الجيب، يروي لنا الدكتور مراد وهبة فصول هذه القصة، فيعود إلى الوراء كثيراً إلى أن يبلغ القرن السابع قبل الميلاد، في نقطة على ظهر الكون العتيق تسمى جزيرة «أيونية» في بلاد اليونان، حيث ولدت «الفلسفة» عندما أطل على عقل «طاليس» سؤال عن «المطلق».
هذه القصة التي هي بمثابة رحلة للإنسان عبر القرون، رحلة قوامها الأسئلة ومحاولة التوصل إلى إجاباتٍ لها، أسئلة يطرحها الفلاسفة، ويجيبون عنها ليأتي -من بعدهم- من يصيغ أسئلة أخرى من ذات الإجابات، ويضع لها بدورها أجوبة.  وتستمر الرحلة عبر العصر اليوناني، وصولاً إلى العصر الحديث، والحروب والأديان وغير ذلك في تشكيلها بشكل غير بسيط.. استطاع المؤلف في هذا الكتيب أن يصيغ كتابه كما لو كان يغازل الأفكار وينسجها فصنع عملاً واضحاً ومتماسكاً. 
لم ينس فيه المرور على مكان منر دون آخر، ولم يقفز من فوق أحدها فيبتر خيطاً امتد من أول صفحة فلم ينته إلا بانتهاء صفحات الكتاب، وقد كانت آخرها عن «سارتر» الذي توقفت عنده الصفحات، ولم يتوقف ديالكتيك مستمر من الأسئلة والأجوبة الحائرة بين «المطلق» و«النسبي».. وكانت هذه الثنائية بإيجاز هي مفتاح التناول والمعالجة وهي التي منحت الكتاب طابعه المثير والمشوق في الآن ذاته.

الفكرة المحورية
ببساطة دارت الفكرة المحورية للكتاب حول صراع المطلق والنسبي في تاريخ الفلسفة، ومراد وهبة قد درس طبيعة هذا الصراع في أطروحتيه للماجستير والدكتوراه، إذ هي تدور حول مفهوم «المذهب» في الإطار الفلسفي، من حيث هو إما مذهب «مغلق» وإما مذهب «مفتوح». وكانت هذه الثنائية تنطوي على تناقضٍ يكمن في أن المذهب بحكم طبيعته «مغلق» فكيف يكون مفتوحاً؟  يجيب مراد وهبة عن ذلك بقوله: انتهيتُ من ذلك التناقض إلى نتيجتين: النتيجة الأولى، أن تاريخ الفلسفة مكونٌ من أربعة فصول، وكل عصرٍ فيه ينطوي على مرحلتين، مرحلة «غلق»، ومرحلة «فتح».
وأما النتيجة الثانية، فهي أن المذهب المفتوح يستلزم علاقة جدلية بين المطلق والنسبي، تتحرك على هيئة دائرية لولبية، كان قد أشار إليها «إنجلز»، وتبناها أستاذي الدكتور يوسف مراد، بسبب تأثره بعالِم النفس الفرنسي «هنري فالون». ومن هنا فقد أفاد مراد وهبة من هذه الرحلة الطويلة المعمقة، وقرر أن يبني كتابه الموجز البسيط هذا على استخلاصات أطروحتيه، وأن يستنبط منهما الفكرة المحورية لـ «قصة الفلسفة».
 أخيراً فإن سعادتي بصدور هذه الطبعة من كتاب «قصة الفلسفة» للدكتور مراد وهبة مضاعفة لسببين.  
أولهما قيمة الكتاب نفسه وأهميته باعتباره واحداً من أسهل المداخل وأعمقها وأيسرها وأمتعها للتعرف على «قصة الفلسفة» منذ ميلادها وحتى العصر الحديث. 
وثانيهما أن الدكتور مراد وهبة مشكوراً خص هذه الطبعة بمقدمة رائعة بخط يده تحية لروائع (اقرأ) ولدار المعارف وتقديراً لتاريخها ودورها في خدمة الثقافة العربية.  

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض