الأحد 29 سبتمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وائل فاروق: اللغات أنهار تصب في محيط الإنسانية

وائل فاروق: اللغات أنهار تصب في محيط الإنسانية
29 سبتمبر 2024 01:39

فاطمة عطفة
«إدراك الذات لا يكتمل إلا في زخم حضور الآخر».. بهذه العبارة الدالة يشير الدكتور وائل فاروق، أستاذ اللغة العربية وآدابها بالجامعة الكاثوليكية بميلانو، إلى الأثر العميق لإقامته الطويلة في الغرب، وحسب قوله «تفتح وعيي هناك على عمق وجمال الثقافة العربية»، وعبر هذه الإضاءات تشكلت محاور حديثنا معه، حول الروابط التاريخية بين الثقافة العربية والإيطالية، وافتتاح صاحب السمو حاكم الشارقة، مؤخراً، المعهد الثقافي العربي في مدينة ميلانو، والدبلوماسية الثقافية الإماراتية، ودورها في توطيد التواصل الحضاري بين الثقافات. 

بداية يتحدث الدكتور وائل فاروق عن افتتاح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المعهد الثقافي العربي في مدينة ميلانو، فيقول: هو حدث تاريخي، فالمعهد، الأول من نوعه في إيطاليا، وتم تأسيسه بالتعاون مع واحدة من أعرق جامعاتها، مقره ميلانو، أحد أهم حواضر أوروبا الثقافية، كما أنه يأتي في وقت تنشط فيه الدبلوماسية الثقافية الإماراتية لتوسيع آفاق التواصل الحضاري، على أسس إنسانية جامعة لا تنتقص من خصوصية أي ثقافة، وهو ما يتجلى في «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقَّع عليها شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية برعاية إماراتية. ينطلق المعهد ولديه بالفعل رصيد كبير من النجاح، فهو ثمرة تعاون امتد لسنوات بين هيئة الشارقة للكتاب والجامعة الكاثوليكية في تنظيم مهرجان اللغة والثقافة العربية الذي أصبح أكبر فعالية ثقافية عربية في الغرب، وفي رقمنة آلاف المخطوطات العربية المجهولة وإتاحتها للباحثين، وفي دعم برامج تعليم اللغة العربية مما يؤهل المعهد للاضطلاع بدوره كسفارة للمعرفة تبرز الإسهام الإماراتي العربي في صناعة مستقبل الإنسانية، من خلال تقديم حقائق العلم وقيم الحضارة على دواعي الانغلاق على الذات والخوف من الآخر. وأول حقائق العلم والثقافة هو أن التاريخ الإنساني لم يعرف حضارة استمرت في الحياة والعطاء منعزلة عن محيطها. ويضيف د. فاروق: في العقدين الأخيرين ازداد الوعي بأهمية الثقافة وقواها الناعمة التي لا غنى عنها لدعم أي نمو اقتصادي أو دور سياسي في العالم، ويتجلى ذلك في عديد الجوائز السخية التي تُمنح للمبدعين في المجالات المختلفة، وفي عديد المؤسسات الثقافية الكبيرة التي تم إنشاؤها أو التوسع في نشاطها لخدمة اللغة العربية وآدابها وفنونها، وكلها جهود محمودة، إلا أني أحب أن أميز بينها، فهناك زارعو الزهور الذين يشيعون في واقعنا بهجة بها تتفتح الآمال في المستقبل، وهناك غارسو النخيل الذين بدأب وصبر يرسون قواعد المستقبل، وصاحب السمو حاكم الشارقة من غارسي النخيل، ويتميز عن غيره من غارسي النخيل بأنه يملك ما يتجاوز الإرادة السياسية والقدرة المادية وهو الشغف الذي يجعله يكرس وقته، وهو حياته، ليقرأ ما نكتب نحن جماعة المثقفين، وليشتبك مع ما يشغلنا من قضايا اللغة والتاريخ بمؤلفات لا يُجحد الجهد الجهيد المبذول فيها. 
القاموس اللاتيني
حول مبادرة وتوجيه صاحب السمو حاكم الشارقة بالعمل على 5 مجلدات للقاموس اللاتيني، يقول د. فاروق: لقد كان إطلاق المعجم التاريخي للغة العربية من قبل أهم إنجاز معرفي للثقافة العربية في السنوات الأخيرة، فشجرة المعرفة لا ترتفع هامتها إلى السماء إلا إذا ضربت بجذورها في أعماق الأرض، لهذا فإن هذا المعجم التاريخي سيفتح آفاقاً جديدة تتشكل فيها الهوية العربية، فالهوية هي حيث الماضي والمستقبل يلتقيان، وأعتقد أن القاموس اللاتيني سيكون قاعدةً راسخة لجسور تمتد نحو اللغات والثقافات الأخرى، حيث سيكشف لنا أن اللغات أنهار تصب في محيط الإنسانية الكبير. 
ويضيف: «الأواصر التاريخية بين الثقافتين العربية والإيطالية عريقة وممتدة من العصور القديمة من اليوم، ولم تترك مجالاً من مجالات الحياة إلا وتركت فيه أثراً، على مستوى اللغة نجد مئات المفردات انتقلت من العربية إلى الإيطالية والعكس، على مستوى الآداب لم ينقطع التفاعل بين الثقافتين، فأثر المعري في أعظم أدباء الإيطالية دانتي لا يجحده اليوم أحد، والشعر العذري العربي كما تؤكد كثير من الدراسات هو الأب الشرعي لشعر التروبادور الذي غير الآداب الأوروبية وساهم في انتقالها للعصر الحديث، كما كان للثقافة اللاتينية أثرها الكبير على الآداب العربية مع حركة الترجمة النشطة في العصر العباسي التي نقلت علوم المنطق والفلسفة، وكان الجدل حولها من أسباب ازدهار علوم العربية، ولا سيما النحو».  ويستطرد د. فاروق قائلاً: «يحلو للكثيرين أن يصفوا اللغة العربية بأنها ابنة الصحراء، وهي حقيقة منقوصة، ليقفزوا إلى استنتاج عزلتها وهو باطل مكتمل، الصحراء العربية ليس كمثلها صحراء لأنها صحراء كسر الماء عزلتها منذ العصور القديمة، فالماء في العصور القديمة معادل للانفتاح على حضارات العالم، فالانتقال عبر البحر لم يكن يتطلب الطاقة الهائلة التي يحتاجها الانتقال عبر اليابسة، هكذا كانت المراكز الحضرية القريبة من شواطئ الجزيرة فضاءات لتلاقح حضاري ترك آثاراً واضحة في الشعر الجاهلي الذي شاعت فيه مفردات فارسية وسنسكريتية ويونانية ولاتينية وسريانية صارت جزءاً لا يتجزأ من نسيج اللسان العربي. حقائق العلم والتاريخ اليوم تدحض الأقاويل التي تكرس لعزلة العرب في صحرائهم، وهي عزلة تتناقض منطقياً وعلمياً مع اضطلاع اللغة العربية بعد فترة وجيزة من انتشار الإسلام بمهمة حفظ التراث الحضاري الإنساني من الشرق والغرب واستيعابه والانتقال به إلى مرحلة جديدة كانت الأساس الذي قامت عليه النهضة الأوروبية التي لا يمكن فصل ما انتهت إليه من حداثة عن صيرورة الصراع مع العالم العربي ثم الاستيلاء على ثرواته المادية والمعنوية واستغلاله في مرحلة الاستعمار، وقد نتج عن ذلك كله تلاقح ثقافي عميق، سيمتد بلا شك إلى المستقبل، فليس من قبيل الصدفة أن يكون الآخر بالنسبة لنا هو الغرب، وأن يكون الآخر بالنسبة للغرب هم العرب». 
صور  نمطية
من خلال عمله أستاذاً للغة العربية وآدابها في كلية الآداب واللغات الأجنبية بالجامعة الكاثوليكية بميلانو، يجيب الدكتور وائل فاروق عن سؤال عن مدى الإقبال على دراسة هذا التخصص، قائلاً: «يتأثر إقبال الطلاب على دراسة العربية سلبياً بالاضطرابات التي تعاني منها بعض البلاد العربية، كما أن ارتفاع وتيرة الهجرة غيرة الشرعية وصعود اليمين المتطرف، وانتشار الشعبوية يكرس صوراً نمطية للثقافة العربية تصرف الطلاب عنها، كما أدت القفزة التكنولوجية، وانتماء الطلاب للجيل الرقمي إلى تراجع الاهتمام بتعلم اللغات، حيث يعتقدون أنه لم تعد هناك حاجة لتعلمها بعد التطور الكبير في برامج الترجمة الآلية». 
وختاماً أسأل الدكتور وائل فاروق: لديك تجربة شعرية، فهل أثَّر العمل الأكاديمي على مشروعك الشعري؟ 
يجيب بتواضع جميل: لست شاعراً، أكتب الشعر أحياناً، ولقب شاعر أعز من أن يحمله أمثالي من الذين للشعر في حياتهم شركاء يدفعونه إلى الهامش، أنا أكاديمي رضيت أن يكون نصيبي من الشعر القراءة والدراسة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©