هزاع أبو الريش
«الشعر جزء من الطاقة القوية والمحركة التي يحظى بها الشباب، وليس شيئاً فائضاً أو هامشياً في الحياة، ولهذا فهو الأكثر اقتداراً على تحسُّس تغيرات الحياة وتطوراتها، وتطويع الأساليب والبنى القديمة أو السائدة لإرادتها التي يصل تجريبها، أحياناً، إلى مستوى المغامرة. هذا الشعر، ما زال منطقة تحتاج إلى الكثير من رعاية النقاد والدارسين». هذا ما عبر عنه الكاتب الدكتور إبراهيم أحمد ملحم مؤلف كتاب «شعر الشباب في الإمارات»، الصادر عن دار نبطي للنشر والتوزيع.
وقال ملحم لـ (الاتحاد): يتكوَّن الكتاب من مقدمة، ومداخل نظرية، وثمانية فصول، ثمَّ خاتمة. تناولت المداخلُ: شعر الشباب ونقده، فتحدثت عن: معنى شعر الشباب، ومسألة الاعتراف به، ونقده، وبيَّنت خصوصية التعامل مع شعر الشباب في الإمارات. وفي الفصل الأول: الوطن في الشعر، جرى تحليل نص «قصائد في الوطن والصحراء» للشاعر الدكتور سلطان العميمي، وذلك ضمن ثلاث مقولات: رمال الوطن، وعَلَم الوطن، والشعب والقيادة. وجاء الفصل الثاني: السيرة الغيرية شعراً، فتناول السيرة الغيرية لوالد الشاعر ناصر البكر الزعابي في ديوانه «حجر النافذة»، وذلك وفق التسلسل البنائي الآتي: العناصر المكوِّنة للشعر السيرغيري، والرؤية المزدوجة، والبُنى والعتبات. واستطاع الفصل الثالث: قصيدة الهايكو، أن يرصد ملامح هذه القصيدة ذات الأصول اليابانية في ديوان «لا بوح بعد هذا» للشاعر ناصر البكر الزعابي، وذلك تأسيساً على: الزمن الضمني، والتأمل الروحي، وتفاصيل الحياة اليومية. ورصد الفصل الرابع: غرابة الرمز، في عملين شعريين، هما: «أتقنفذ شوكاً»، و«رباعيات الخيام» للشاعر محمد عبد الله نور الدين، وذلك من خلال محورين اثنين، هما: تجليات التشكيل الروحي، والثابت والمتغيِّر. وفي الفصل الخامس: الشعر النبطي رقمياً، تناول الكتاب نصوصاً نشرتها الشاعرة عائشة الشامسي (أصايل) على صفحتها في «تويتر»، والتفت الفصل إلى تغيُّر تقنيات النص وأبنيته عمَّا هو الحال في الوسيط الورقي. أما الفصل السادس: الفزعة الشعرية، فقد استخدم مصطلحاً تراثياً للتعبير عن ردِّ فعل الشعراء الشباب تجاه بعض القضايا، فتناول ديوان «القصيدة المستحيلة» للشاعر سعيد المنصوري، من جانبين: القضية الفلسطينية، والرؤية المزدوجة للمحبوبة. وأما الفصل السابع: لعبة الاغتراب، فقد اعتمد على ديوان «وجوه وأخرى متعبة» للشاعر علي الشعالي في ضوء مقولتين رئيستين، هما: الاغتراب المثمر، والاغتراب المدمر. وأخيراً، الفصل الثامن: الشعر العامِّي: حداثة الشكل واللهجة، فقد تناول ديوان «ورد عمري» للشاعر أحمد عيسى العسم. مضيفاً، تألفت هذه الدراسة (شعر الشباب في الإمارات: جيل ما بعد الحداثة) من مقدمة، ومداخل نظرية، وثمانية فصول، وخاتمة، وقد أشارت المقدمة إلى أهمية الدراسة، وذكرت الفصول التي قامت عليها.
نتائج جوهرية
تابع الدكتور إبراهيم أحمد ملحم: توصَّلت الدراسة إلى نتائج جوهرية يمكن إجمالها وفقاً للمداخل النظرية، وتسلسل فصول الكتاب على النحو الآتي: المداخل النظرية، إن ما تكتبه الفئة العمرية (18 - 40)، والتي يُطلق عليها تسمية الشباب، يكتسب أهمية كبرى، لكونها الأكثر حماسة للتجريب، وكسر النمطية، والاجتراء على اللغة. وقد أكد الفصل أن الاعتراف بشعر الشباب ضرورة نقدية، لكونه يحمل سمات مختلفة عمَّا يكتبه الشعراء بعد هذه الفترة، وأن الإعراض عن نقده يقع في أعلى درجات سُلَّم الخطأ، لأن النقد يتطوَّر من خلال تناول النصوص الطازجة التي يسري فيها دم الشباب. أما شعر الشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة، فإن له خصوصية تميزه من غيره في أماكن أخرى من العالم، إذ تغيب عنه النواحي السلبية التي تفرزه عادة، ويعود ذلك إلى رعاية الدولة للشباب، وتمكينهم، وتوفير جميع السبل للتعبير عن أنفسهم، وتنمية إبداعاتهم ونشرها.
انفتاح ووعي
يختتم د. ملحم حديثه قائلاً: من المؤكد أن شعراء إماراتيين كباراً جسدوا للشباب نماذج ناضجة يقتدون بها كالشاعر معالي الدكتور مانع سعيد العتيبة، والشاعر حبيب الصايغ، وغيرهما عربياً وعالمياً، وأن الشباب اليوم سيكونون نماذج تُقتدى في المستقبل، تلك هي مسيرة الحياة. وتبين النتائج التي انتهت إليها الدراسة أن الشاعر استطاع الولوج إلى تقنيات وأساليب فنية تثري الشعر، وتفعِّل الجانب الروحي فيه، واستثمر ما تتيحه التكنولوجيا الذكية فجعل النصوص تتكيَّف مع الوسيط الناقل للتجربة، وأنه في انفتاحه على الآخر لم يكن ناقلاً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل كان منفتحاً انفتاحاً واعياً لفترة ما بعد الحداثة، ومطوِّعاً للشكل والمحتوى بما يتناسب مع طبيعة التجربة والبيئة التي سيحل فيها النص، وهذا ما يجعل النقد الذي يقوم على النصوص التي ينشرها الشعراء الشباب في الإمارات تحظى بالثراء ومواكبة الحراك الإبداعي، لأن الأصل في تشكيل الخطاب النقدي، هو أن يقوم على تحليل النصوص الإبداعية، وليس على التنظير لها، ذلك أن هذا التنظير يقع في باب ثقافة المبدع أكثر مما يقع في باب التوجيه له.