استلهم فكرة المشاكلة والاختلاف من مقولات لعبد القاهر الجرجاني حيث طرح فكرة (الاختلاف والائتلاف)، والجرجاني يشير إلى الاختلاف التي يفضي إلى ائتلاف شارحاً بذلك حال المجازات في تحول القول اللغوي من حال إلى حال في الدلالات وتداخل المعاني، بينما تحيل مقولتي إلى أن الماضي بتراثه وثرائه يظل كامناً في وجداننا وفي عقولنا وله سلطةٌ على تفكيرنا، ولكن العقل البشري قادرٌ على تحقيق منجزٍ يتجاوز الماضي ويحقق رؤى مستقبلية وقيماً إبداعية، فنحن مثلاً نرث اللغة من أسلافنا ونعيد ألفاظهم ومجازاتهم حين نتعلم اللغة منذ صغرنا وبدايات تكويننا الفردي، ولكن يحدث دوماً أن يبرز بعض أفراد منا فيطمحون لإنتاج مجازات إبداعية لم ينجزها سابقوهم وهؤلاء هم المبدعون، ومن هنا فالمبدع يتماثل مع سابقيه في أمور وهذا جانب تقليدي، ويختلف عنهم في أمور وهذا هو الجانب الإبداعي، وفي منتوج كل مبدع عظيم هناك نصوصٌ ماضوية لا حصر لها يمكننا كشفها وتلمسها لأنها موجودةٌ في ذواكرنا كلنا، وبجانبها قيم لغوية إبداعية تخص المبدع ذاته، وهي من خلاصات فكره وذهنيته الحية، وعادةً يكون جانب المشاكلة أكبر من جانب الاختلاف، لأن الفرد لا يمكنه أن يختلف اختلافاً كلياً عن موروثات عظيمة تكونت على مدى قرون، ولكن القضية تأتي من حيث قال ابن قتيبة (يحكم على الرجل من جيده وإن قل)، وهنا تأتي معادلة المشاكلة والاختلاف، وبمقدار ما نختلف عن غيرنا في أمر من الأمور يكون تفردنا، وبمقدار توافقنا مع غيرنا يكون تشاكلنا معهم، فنكرر غيرنا ونختلف عنهم في الوقت ذاته، والتميز يكون بما نجيده وإن قلّ. وهذا يقودنا لحال القراءة وعلاقتها مع الإبداع، بما أن القراءة هي استحضارٌ للماضي بينما الإبداع هو تحرر من الماضي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض