محمد نجيم (الرباط)
مغامرات ورقصات صوفية وروحية، تلك التي نجدها حاضرة بقوة في أعمال الفنان التشكيلي المغربي العالمي عبدالله الحريري في معرضه الاستعادي الضخم، المنظم مؤخراً في مراكش تحت عنوان «قصتي»، معرض يؤرخ لتجربة الفنان التي انطلقت منذ عقود، كاشفة عن تعبير بصري بليغ وامتلاء روحي وأيقوني تتدفق فيه تجليات الخط العربي، بما تحمله من توهج ورونق وأبعادٍ تجريدية تفيض بغنى الهندسة المستوحاة من المعمار المغربي والأندلسي، كما لا تخلو لوحات الحريري من التكوينات والتقنيات الحديثة التي تمتاز بها اللوحة المغربية المُؤسسة على قوة الألوان وتوهجها وسطوعها، إضافة إلى السلاسة في ضربات الريشة والتوازن بين الضوء والعتمة.
للفنان عبدالله الحريري تجربة طويلة في تراشق الألوان وهندسة الضوء، أقام معرضه الأول سنة 1976 بمدينة الدار البيضاء لتتواصل معارضه إلى اليوم في مختلف أنحاء العالم، ونظراً لولع الحريري بالخط المغربي في بعده التجريدي، فإنه لا يوجد هنالك اتجاه فني إلا ومثله عبدالله الحريري في لوحاته الصباغية، انطلاقاً من التشخيص إلى التجريد، صباغته في حركية متواصلة، هو يعالج مختلف التقنيات بـ«الغواش»، والزيت و«الأكريليك» التي في متناوله، بهدف الوصول إلى عمل لا يؤثر فيه الزمن رغم مرور نصف قرن. صباغته الوجدانية والهندسية معاً يهيمن عليهما التجريد، مع حضور بعض العناصر من العالم الخارجي، وجل أعماله، بحسب الناقد والفنان عزيز أرغاي، هي عبارة عن تجربة جديدة حول مختلف المركبات الفنية طوال مساره، فالحريري يعشق الحرف في تجريديته الجمالية، باعتباره مكوناً مستقلاً عن المعنى. ومن هنا كان وعيه حاسماً، منذ البداية، في الاختيار: أعني أنه فنان يوظّف الحرف من غير أن يعني ذلك أنه يتجاوزه إلى أسلوب معين كالحروفية. هذا التحديد ظلّ ملازماً له لحدّ اليوم. وهو لكي يُبين عن هذه المقصدية، كان يحوّل الحرف إلى مُكون زخرفي محض، سوف يتزاوج والمكونات الزخرفية الأخرى، كالزليج والأشكال الهندسية، التي انطلق منها في البدايات.