فاطمة عطفة
«في الإمارات أكثر من 465 صانع أفلام، منهم الإماراتي أو المقيم، وهؤلاء لديهم قدرات وطموحات كبيرة في مجال السينما»، تضيء هذه الكلمات على واقع صناعة السينما في الإمارات، وخاصة الأفلام القصيرة والوثائقية، وهو واقع يعكس الحراك الكبير لصناعة الفن السابع، كما يدل على ما تقوم به عديد المنصات والمؤسسات المعنية بالفنون، والتي تتصدى بجدية ووعي كبيرين لدعم المشاريع السينمائية لمخرجين وكتاب سيناريو من شباب المواطنين والمقيمين، ومن بينها مجمع 421 للفنون في أبوظبي، الذي قدم مؤخراً فعالية ثرية بعنوان «مسارات غير مستكشفة»، بالمشاركة مع استوديو الفيلم العربي، حيث عرضت مجموعة من الأفلام الوثائقية القصيرة لهذا العام. وفي موضوعنا هذا نأخذ هذه الفعالية مدخلاً لمناقشة أفكار بعض المخرجين وأعمالهم، وكذلك استعراض لأهمية الأفلام الوثائقية ودعم صناعتها.
بداية تقول ميس البيك، مديرة البرامج والمبادرات المجتمعية في مجمع 421 للفنون: المجمع يعمل على دعم المبدعين، سواء كانوا صناع أفلام أو كتّاب سيناريو أو فنانين بصريين أو شعراء، وهذه هي السنة الثالثة لمشاركتنا مع هؤلاء الفنانين، ونحن نعمل على عرض أفلام مصنوعة بالإمارات، وتعاوننا الأول معهم كان بمناسبة يوم المرأة الإماراتية، وهذه السنة يأتي التعاون عبر عرض للأفلام الوثائقية القصيرة، مشيرة إلى أنهم نظموا بعد العرض جلسة حوارية التقى فيها جميع المخرجين مع مخرج الأفلام الوثائقية ومدرب المونتاج وليد المدني من استوديو الفيلم العربي التابع للهيئة الإبداعية للإعلام.
وتضيف البيك أن من أهم أهدافهم في المجمع أن يساعدوا على تطوير الإنتاج الفني المحلي وفي المنطقة بشكل عام، وخاصة أن الأفلام عمل فني يساعد الفنانين في التعرف على قصصهم بطريقة صحيحة، لأن السينما توصل الفن بشكل تكاملي من حيث القصة والموسيقى والصورة، مؤكدة دعم صناع الأفلام الذين يروون قصصاً من الإمارات والمنطقة، وهذا شيء مهم بالنسبة لهم في مجمع الفنون.
وفي مجال التطور الفكري والفني الذي حدث في هذه الأفلام، أكدت البيك أن الأعمال السينمائية مستمرة، بالتعاون مع الاستديو العربي، والفنانون يقدمون بالفعل أفلاماً جيدة، والمجمع يساعد على دعم هذه الثقافة ويعطي مساحة لصناعي الأفلام ليبدعوا في إنتاجهم، وهم يشتغلون بشكل دائم على تطور الأفلام الإماراتية وموضوعاتها والقصص التي تروى فيها، إضافة إلى أن الشغل التقني والفني على هذه العروض مستمر، وهذا التطور يظهر من خلال السياق، وأيضاً عبر تراكم الخبرة الذي يظهر على الأفلام بشكل واضح.
فيلم ورسالة
من جانبها تتحدث ندى جاهد مخرجة فيلم «نور عيوني» قائلة: الفيلم يحكي عن شخص كفيف وموهوب يحمل رسالة، ويحاول أن يوصلها للآخرين، وهو شخص متعدد المواهب وفي الوقت نفسه لديه حضور على مواقع التواصل لاجتماعي. مؤكدة أنها كانت مشغولة بالبحث عن موضوع مختلف، ومن خلال الحديث مع صديقة لها، هي زوجة محمد (بطل الفيلم)، اكتشفت أن لديه قصة يريد أن يطلع عليها الناس، وتبين لها بالفعل أنه شخص مبدع ومتعدد المواهب، ويحمل درجة ماجستير في الأدب، ولديه اهتمام بالشعر، كما أصدر كتاباً عن حياته، وله نشاط في المسرح.
وعن هدف هذه الرسالة الإنسانية التي قدمتها جاهد عن بطل عملها السينمائي، أوضحت أنها حاولت أن توصل رسالته عن قوة الإرادة والتحدي يريد أن يحكيها للمجتمع ليبين أن أصحاب الهمم يتغلبون على أي إعاقة، سواء كانت بصرية أو غير ذلك، ليؤكدوا بالإرادة والتجربة العملية أنهم عازمون على أن يعيشوا حياة طبيعية وهم يطمحون أن يتعامل الناس معهم بشكل طبيعي ولا ينظرون لهذه الإعاقة. وتضيف: وجود مركز لذوي الإعاقة البصرية بالشارقة هو دليل على اهتمام القيادة الرشيدة بأصحاب الهمم ودعمهم وتمكينهم.
وتقول ندى جاهد: فن الإخراج يكشف عن الصورة الحقيقية في الواقع بعيداً عن الخيال، مبينة أنها حاولت بالفيلم أن تتناول موضوع محمد وحياته وطموحاته واهتمامه بالشعر، مؤكدة أن الإخراج بالنسبة لها يهتم بدراسة الواقع واستلهام ما فيه من قصص كما تهتم بالتصوير، وبعد التصوير وترتيب اللقطات دائماً عندي حس فني تجاه اللقطة وكيف أعبّر عن نفسي، وما أشعر حتى أشكل من اللقطات القصة الفنية والمعبرة عما أريد، وهي ترى أن القصة أحياناً تشبه المخرج.
سينما التوثيق
المخرج شعيب خطاب يتحدث عن فيلمه «عومة» قائلاً: سمك السردين في الإمارات يسمونه «عومة»، المعنى الثاني هو «أمة»، والفيلم يحمل جمالية الصور مع الموسيقى، وهو مختلف عن الأفلام الاعتيادية، لأن الفيلم صامت، فقط الصورة وحدها مع الموسيقى هي التي تحكي القصة، حيث تظهر عمل الصيد من البداية على سواحل الإمارات إلى آخر مرحلة في الحصول على السمك. وفي الوقت نفسه هناك معاني أعمق وهي «الأمة»، أي الناس الذين يعملون خلف الكواليس، والجهد الكبير الذي يقدمونه. ويشير خطاب أ شغفه القديم: منذ زمن بعيد كنت مهتماً بالثقافة البحرية في الإمارات، وأنا أحب الغوص، وحاولت أن أسجل فيلماً وثائقياً عن هذه الأشياء، كما أن لدي مشروعاً عن توثيق للسواحل الإماراتية. وأوضح خطاب أن التجربة العملية بلورت الفكرة عنده أكثر، وجاء العمل السينمائي مختلفاً عما كان يفكر فيه من قبل.
465 صانع أفلام.. إنجازات وأحلام
المخرج الإماراتي جهاد درويش، رئيس قسم المواهب في «هيئة الإعلام للإبداع»، التي قدمت مبادرة لاحتضان صناع الأفلام الواعدين في المنطقة، يتحدث عن هذه المبادرة قائلاً: الإفلام الوثائقية التي عرضت تم إنتاجها تحت راية «الفيلم العربي»، وهو إحدى المبادرات لتطوير المواهب في صناعة الأفلام في الإمارات، وقد بدأت منذ 12 سنة وما زالت مستمرة، وهذه المبادرة توفر ورش عمل وبرامج ممتدة في مجال صناعة الأفلام، حيث بدأ الأمر بصناعة الأفلام القصيرة والأفلام الوثائقية التي تم عرضها قبل أيام في مجمع الفنون 421، وهناك أيضاً برامج في كتابة السيناريو وإدارة الإنتاج هذه السنة، كذلك هناك أشياء جديدة في مجال التصوير السينمائي والمونتاج المرئي والمونتاج الصوتي، وأيضاً في إخراج الأفلام الذهبية، وجميع هذه الخدمات يتم تقديمها للإماراتيين والمقيمين الموجودين بالدولة، وخاصة من لديهم شغف وموهبة في مجال صناعة الأفلام، مؤكداً أن الهدف من كل هذا هو تطوير هذه الصناعة، وهي تأتي من هيئة الإعلام الإبداعي المسؤولة عن صناعة الأفلام في أبوظبي، وتستقطب شركات الإنتاج الكبرى من أنحاء العالم ليصوروا في أبوظبي، إضافة إلى المسلسلات العربية والأجنبية. مشيراً إلى أن شركة إيمج نيشن أبوظبي مسؤولة عن صناعة أفلام إماراتية، من خلال مواهب إماراتيين، ولديهم برامج لتطوير الإعلام والمواهب بشكل عام.
وحول اهتمام الشباب الإماراتي بهذا الفن والعمل على تطويره، يقول درويش: عندما ننظر اليوم نجد الفرق في محتوى الإنتاج، كما أن المبادرات والشركات الموجودة تعطي فرصاً كبيرة لصناع المحتوى وكتاب السيناريوهات ليطوروا من تجاربهم في صناعة أفلامهم، وعرضها ليس فقط بالإمارات بل حول العالم، مبيناً أن مبادرة «الفيلم العربي» خلال 12 سنة تمكن من إنتاج عدد كبير من الأفلام القصيرة التي مثلت دولة الإمارات في المحافل الدولية حول العالم، ومن خلالها تم تحقيق أكثر من 470 فيلماً قصيراً عرضت في مهرجانات عالمية كبيرة، وهذه الأفلام شاركت في أكثر من 570 مهرجاناً سينمائياً في العالم، وحصدت 41 جائزة، و30 تأهيلاً للجوائز، لافتاً إلى أن في الإمارات أكثر من 465 صانع أفلام، منهم الإماراتي أو المقيم، وهؤلاء لديهم قدرات وطموحات كبيرة.