الأربعاء 15 يناير 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تحت أي ظرف وتجربة.. ابحث عن المعنى

تحت أي ظرف وتجربة.. ابحث عن المعنى
29 أغسطس 2024 02:02

عبدالوهاب العريض 
يعيش مجتمع اليوم حالة من الجري الاستهلاكي، ومن ثم نجد بأن الحياة تضغط عليه كي يقوم بمواكبة عصر التقنية والمعلوماتية، وتوفير ولو جزء يسير مما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي، من سلع وخدمات مغرية لأبنائه وأسرته، وهذا ما يجعل المسؤول الأول في الأسرة يعيش في دوامة لا تنتهي، أشبه بحلبة السباقة التي قدمها الكاتب الأميركي (هوراس ماكوي) في روايته (إنهم يقتلون الجياد.. أليس كذلك) عام 1935م. التي تتحدث عن مسابقة رقص لأطول ساعات ممكنة، الفائز فيها خسران، وقد تم تحويل الرواية إلى فيلم عام 1969، من إخراج سيدنى بولاك في أميركا، وهو ما يرمز لصراع الرأسمالية والإنسان. 
 ونجد من خلال هذا الاستهلال بأن الحالة تتكرر مع الإنسان الذي يعيش حياته في لهفة دون أن يبحث عن معنى لها، ويكتشف ما بعد الخمسين أو الستين بأن حياته ذهبت في طريق آخر مختلف عن أحلامه. 
يقول صاحب المدرسة النمساوية في علم النفس فيكتور إميل فرانكل (إن الحياة تحمل معنى محتمَلاً في ظلّ أي ظرف، حتّى في ظلّ أكثر الظروف بؤساً، ويؤكد هذا بتعبير آخر في كتابه «الإنسان والبحث عن المعنى»، الصادر عن صفحة سبعة عام 2020 ترجمة عبد المقصود عبد الكريم (لا تسعى إلى النجاح فكلما جعلته غايتك زاد فقدك له. لأن النجاح مثل السعادة، لا يمكن السعي وراءه، لا بدّ أن تنشأ السعادة بصفتها نتيجة، أن تنشأ فقط في هيئة أثر جانبي غير مقصود لتفاني المرء في قضية أكبر من ذاته).  ولعلنا اليوم نعود للكثير من المدارس النفسانية لمحاولة معالجة الذات ومشكلاتها، وهذا ما نجده يتكرر بقيام الكثير من الدورات الخاصة بتطوير الذات، وما هذه الدورات إلا محاولة لتحفيز الذاكرة الخفية لدى الإنسان، سواء اتفقنا معها أم اختلفنا. 
فقدان الجوهر
وهذا ما يجعلني أعود للبحث داخلياً في أسباب فقدان هذا الجوهر، فقد كانت الحياة قبل ما يزيد على خمسين عاماً أكثر بساطة من اليوم، حينما كان التواصل معتمداً على الزيارات العائلية، ومن خلال الاتصال الهاتفي والإكثار من اللقاءات الاجتماعية، وكذلك تخصيص الأيام العائلية التي لا غنى عنها، والتي فقدت بريقها في زمننا الحاضر، فقد باتت تلك اللقاءات تخلو من الحديث، وتنزع لمشاهدة المجتمعين يعبثون بهواتفهم النقّالة، ويتناسون وجودهم في تجمع أسرى.  وفي ظل هذه الفوضى التي نعيشها نجد بأن هناك جزءاً من الإنسان يذهب بعيداً عن فكرة البحث داخل أحلامه ليحاول السعي من أجل تحقيق مكانة اجتماعية له، كما يقول آلان دي بوتون في كتابه (قلق السعي إلى المكانة)، حيث يشير إلى أن الكثير من الأفراد أصبحوا ينشغلون في (أن يكون محبوباً، إرضاء المتكبرين، تحقيق التوقعات التي يفرضها المجتمع، كفاءة الوصول للأفضل، الاعتماد على الآخرين في نيل المكانة)، ونلاحظ بأن جميعها حالات من الابتعاد عن الذات والذهاب في ماهية ما يريده المجتمع، وتحقيق تلك الرغبات كي يستطيع الذي يحصل عليها الوصول إلى (صدارة المجلس). 

هل نحن بحاجة للذهاب إلى التقليد الأعمى للمشاهير دون التفكير في وضع الخطط الخاصة بنا؟ العيش في دائرة السباق لتحقيق أهداف لا ننتمي لها؟ 
لعلها أسئلة تراودنا جميعاً، ومن الصعب إيجاد الإجابة عنها دون التخلي عما يثقل كاهلنا من أعباء الحياة، حيث إن الإنسان ليس أكثر من نتاج عدد كبير من العوامل البيئية ذات الطبيعة البيولوجية والاجتماعية، وهذا التأثر عادة ما يكون في الأغلب سلبياً، حيث من النوادر إيجاد محيطات إيجابية، ونجد بأن الآخرين فقط يعرفون الشكوى والحديث، ولكنهم لا يحسنون الإنصات للآخر. 
العلاج بالمعنى
وعودة للبحث عن المعنى في الحياة نجد بأن فرانكل يؤكد أن المعنى لا يقتصر على الإبداع والمتعة فقط، حيث إن الكثير من الناس لديهم ما نستطيع تسميته معاناة، إذن -وحسب رؤية فرانكل- علينا إيجاد معنى أيضاً في تلك المعاناة، (المعاناة جزء لا يتجزأ من الحياة. من دون المعاناة والموت لا يمكن أن تكتمل حياة الإنسان). 
وهذا ما يتطلب تحويل المعاناة في الحياة إلى انتصار داخلي، وألا نشغل أنفسنا بأحداث الماضي، لأنها ستجعل الإنسان الكامن داخلنا يضمحل شيئاً فشيئاً حتى يشعر بحالة اليأس، نحن فقط نحاول استعادة القوة الداخلية التي تنطوي عليها ذواتنا، وعلينا إيجاد سبب من أجله نحتمل الحياة كيفما كانت. وهذه الأسباب يجب ألا تخلو من أفكارنا وأحلامنا التي كنا ننميها خلال الخمس عشرة سنة الأولى في حياتنا. 
عندما يستطيع الإنسان التصالح مع ذاته، والقبض على المشكلات التي يعاني منها، والتي هي سبب أوجاعه وآلمه سيستطيع من خلال ذلك تجاوز الخطوة الأولى في معرفة وكسب ذاته، وبالعودة إلى كتاب العلاج بالمعنى نجد بأنه يُركز على النظر إلى المستقبل، أي إلى المعاني التي على المريض أن يحققها في مستقبله، حيث (يحقق المعنى دلالة ترضي إرادة الإنسان للمعنى)، ويؤكد أيضاً أن المعاني والقيم ليست سوى (آليات دفاعية أي شكل من أشكال تشكيل رد الفعل، وأشكال التسامي).

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©