هزاع أبوالريش
تشكل السينما المستقلة حول العالم حضوراً مهماً ومدهشاً فيما يتعلق بالأفلام التي قدمتها، والجوائز التي حصدتها، وكذلك من ناحية الموضوعات الجريئة والاستثنائية التي تناولتها بأساليب فنية مغايرة في كثير من الأفلام، وفي الإمارات تعكس السينما المستقلة جانباً مهماً من إبداع السينمائيين الإماراتيين، كما تلقي الضوء على الإضافة التي قدمتها على رغم التحديات والظروف التي واجهت أصحابها، والجهود الفردية التي قاموا بها، وقدموا عبرها الكثير من الأعمال التي لا تزال تسكن في ذكريات محبي السينما المحلية.
في تحقيقنا هذا نتساءل: إلى أين وصلت السينما المستقلة؟ وهل هناك ثمة بوادر ومؤشرات لاستمراريتها وتطورها؟ وأين الجهات المعنية والداعمة لها؟
بداية يقول محمد حسن أحمد، سيناريست ومستشار فني: «السينما في العالم قائمة على الصناعة، يجب أن نقول في كل بقعة على هذه الأرض هناك من يصنع سينما، لدينا صناعة أفلام، وإطلاق مسمى سينما مستقلة أو بديلة يأتي بعد وجود الصناعة بشكل كامل، لكن نحن بدأنا بسينما مستقلة من حيث أننا انطلقنا من صناعة الأفلام وليس السينما، والفرق واضح حيث السينما المدركة من قبل الشركات الكبرى والحكومة ورؤوس الأموال، بينما ما فعلناه طوال أكثر من عشرين سنة هي مبادرات وصناديق إنتاج من المهرجانات السينمائية في أبوظبي ودبي، ومع توقفها وقف الإنتاج الجاد والحقيقي الذي بقى يمنح الأفلام حضوراً وتراكماً مهماً في صناعة الأفلام المستقلة ومشاركتها في العالم». مضيفاً: «السينما المستقلة في الإمارات نشأت من قبل فرق فنية سينمائية في كل إمارات الدولة، وكانت بمثابة حضور جاد وحقيقي تشكلت مع مسابقة أفلام من الإمارات قبل عشرين سنة بفضل شخصيات مُلهمة مثل محمد أحمد السويدي ومسعود أمرالله آل علي، في البدايات ومع هذا التشكل جاءت الأفلام وتشكلت التخصصات وأصبح للإمارات أفلام تشارك وتنافس وتقدم القصص وتوالت مع نهوض المهرجانات، وكنا نتصدر المشهد ومؤثرين على كل من حولنا في الخليج بشكل واضح وكبير، فجميع الأسماء التي تعمل في الصناعة اليوم في الخليج انطلقت من دولة الإمارات العربية المتحدة، والمهرجانات السينمائية.
بصمات حاضرة
ويتابع محمد حسن أحمد: من أهم الأشياء التي استمرت هو وجود الأسماء المهمة في صناعة الأفلام والمستمرة من أجل صناعة فيلم يمثل الإمارات في كل بقاع الأرض ومنهم الكثير، أمثال (وليد الشحي - أحمد سالمين - عبدالله حسن أحمد - خالد المحمود - هاني الشيباني - يوسف إبراهيم - أحمد حسن أحمد - حمد الحمادي - أحمد الحبسي - حمد صغران - نواف الجناحي - سعيد سالمين المري - جمعة السهلي - ياسر النيادي - نائلة الخاجة - مسعود أمرالله - طلال المحمود - أحمد زين)، وأسماء كثيرة حاضرة ومستمرة ولها بصمة مهمة في صناعة الأفلام، بلا شك. لافتاً: السينما في الإمارات تستحق أكثر مما نتصوره، فلا يوجد فن ذهب إلى العالم وقدم قصصنا وحكاياتنا وملابسنا ولهجتنا والموسيقى التي تلمسنا سوى الأفلام المستقلة التي شاركت في أهم مهرجانات العالم، وأفلام شاركت في مهرجانات مهمة مع مخرجين إماراتيين منها: مهرجان برلين السينمائي الدولي، ومهرجان لوكارنو، وفي روسيا وشيكاغو وروتردام وباريس وبيروت ونيويورك والقاهرة، والكثير من المهرجانات التي لا حصر لها. ومن أهم القصص التي لا أنساها أثناء تأسيس «فراديس»، التي أسستها مع أخواني عبدالله وأحمد والأصدقاء وهي مستمرة منذ سنوات طويلة وانتجت للسينما في الإمارات أكثر من 40 فيلماً وأكثر من 100 عمل فني، القصة الأبرز هي وجود مشروع «فيلاسينما» في إمارة رأس الخيمة الذي يضم السينمائيين في الإمارة كمكان للقاء والجلسات والأعمال، وهو منزل إيجار يضمنا ويجعلنا أن لا نشعر بعدم وجودنا، وخاصة مع توقف الكثير من المهرجانات والفعاليات في الدولة المعنية بالسينما.
وأختتم محمد حسن أحمد حديثه قائلاً: السينما في الإمارات تستحق الدعم والانتباه، وإذا فكرنا يوماً بدعم هذا القطاع، ما يجعل هذا الجهد يستثمر الطاقات المحلية ويبرز حضورنا أمام العالم بالشكل الذي فعلاً تستحقه السينما الإماراتية.
نقل الأفكار
أما عبدالله حسن أحمد، مخرج ومنتج سينمائي، فيقول: بداية السينما المستقلة في الدولة، كانت منذ انطلاق المهرجانات السينمائية، بداية مسابقة أفلام من الإمارات، وهي تعد بداية حركة الأفلام المستقلة، وهي عبارة عن إنتاج الأعمال من صنَّاع الأفلام نفسهم، بإمكانيات محدودة سواء من أفلام قصيرة أو طويلة، ولكننا تميّزنا في الأفلام القصيرة واستقلاليتها، وكان هناك لها أثر كبير، مما ساهمت في توثيق الأفلام الإماراتية من قصص وتاريخ وذكريات وتفاصيل محلية، وكان لها حضور لافت تلك الفترة. مؤكداً أن مثل هذه الأعمال تجعل الجيل القادم أمام حالة من الوعي والإدراك بتاريخه، لما تقدمه الأعمال السينمائية من نقل الأفكار والرسائل الوطنية بمحتوى قيّم يلامس وجدان الآخرين، ويكون صادقاً من القلب إلى القلب، فالسينما حاجة أساسية، ومتطلب رئيسي لأن تكون حاضرة بقوة، فلدينا الكوادر والعقول والطاقات الإبداعية القادرة على إثبات إسهاماتها، ولكننا بحاجة إلى وقفة من المؤسسات المعنية لدعم هذا الحراك المهم، والملهم في الوقت نفسه.
محاولات مستقلة
من جانبه يوضح هاني الشيباني، مخرج ومنتج، أن السينما الإماراتية بشكل عام لا زالت مستقلة، فكل محاولاتها والتجارب التي مرت بها هي عبارة عن محاولات مستقلة، ولذلك السينما الإماراتية لا تتجزأ على الصعيدين المؤسسي والاستقلالية، وإنما بدأت مستقلة ولم تزل مستقلة معتمدة على جهود الأفراد، والمبادرات الشخصية بما يتعلق بالتمويل والتنفيذ والعرض والتسويق، وهذا ما يجعل صعوبة حضورها في المشهد السينمائي بشكل أقوى، على رغم من وجود بدايتها الفعلية منذ عام 2001 تقريباً، بالإضافة إلى وجود محاولتين سابقتين، ولكن بشكل فعلي مر على نضوج التجربة 24 سنة، وإلى الآن السينما الإماراتية تقوم على جهود فردية، تنجح أحياناً وتفشل أحياناً، وجميع المحاولات تعتمد على الظروف وطاقات الأفراد الذين تبنوا فكرة العمل. مبيّناً، حضور بعض الأفلام السينمائية وتجارب مُلهمة خلال السنوات الأخيرة مثل السينما السعودية، فكان لها نهوض سريع، وتطور لافت، ووصولها إلى جماهيرية كبيرة، وهذا النجاح لم يأتِ من جهود فردية، بقدر ما هي جهود مؤسسية تبنت هذه الأعمال للارتقاء بها إلى أعلى المستويات الفنية.
ويضيف الشيباني: بالنسبة للذكريات التي لم تزل عالقة في ذهني، وتسكن في الوجدان، والتي ألهمتني كثيراً، ما وراء إنتاج فيلم “عابر سبيل”، والمسابقة التي كانت في المجمع الثقافي آنذال في بداية التسعينيات، عن أفلام الهواة، وبرزت في حينها بعض الأسماء ومن ضمنها المتألق مسعود أمرالله، وبعدها أصبح تجمعاً آخر في مهرجان الأفلام العربية المستقلة والذي أقيم في الدوحة عام 2001، وكانت هناك مجموعة كبيرة من هواة السينما الإماراتية وصناعها، وكان في حينها مسعود حاضراً كضيف في المهرجان، وكانت هناك مجموعة من السينمائيين الإماراتيين ومن ضمنهم أنا كذلك، ونواف الجناحي، ويوسف إبراهيم وياسر القرقاوي وغيرهم، فكان المهرجان عبارة عن ملتقى للإماراتيين هواة السينما، ومن خلاله تم تجميع الأفكار والآراء والمقترحات والأحلام الخاصة بالسينما، ومن هناك كانت الانطلاقة لمسعود أمرالله في أن يعيد مسابقة أفلام السينما ولكن بمسمى آخر “أفلام من الإمارات”. وهذه المسابقة تحديداً شكلت دوراً كبيراً، وفارقاً، وعاملاً مُلهماً لصياغة السينما الإماراتية وحضورها في المشهد السينمائي، إلى أن توالت بعدها الجهود الفردية، والحراك السينمائي الذي يعزز من نهوض السينما المحلية.