إيهاب الملاح (القاهرة)
عن 88 عاماً، رحل الكاتب والروائي الألباني القدير إسماعيل كاداريه (1936-2024)، أحد كبار كتاب الرواية في القرن العشرين، الذين قدموا للأدب العالمي، وفن الرواية، أعمالاً تضعه في مصاف أهم كتاب الرواية ومبدعيها طيلة القرن المنصرم.
برحيله، ينضم كاداريه إلى نادي العظماء ممن لم يحصلوا على جائزة نوبل، مثله في ذلك مثل العملاق الروسي ليو تولستوي، والفرنسي مارسيل بروست، واليوناني كازانتزاكيس، والإيرلندي جيمس جويس، والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، وغيرهم. وبذلك، تكون الجائزة الأشهر عالمياً قد خسرت الظفر بأسمائهم، وبأن يكونوا ضمن قائمة الشرف التي تكسب قيمتها من قيمة الفائزين بها، ومن سمعتهم ومنجزهم الأدبي والإبداعي.
جمال وعمق
كاداريه أحد أبرز آباء الرواية المعاصرة. وعبر مشواره الإبداعي الذي امتد لما يقرب من ثلاثة أرباع القرن، قدم الروائي الألباني للأدب الإنساني مشروعاً روائياً باذخاً، اتسم بالجمال والعمق والتناول الإنساني الرهيف لمشكلات الشعوب والأمم.
وقد أصر كاداريه، طيلة مشواره مع الكتابة، على أن يكون أدبه كله بلغته الأم «الألبانية»، وهي واحدة من لغات الأقلية في العالم إذ لا يزيد عدد المتحدثين بها على ثلاثة ملايين فقط. وعلى الرغم من لجوئه إلى فرنسا والعيش فيها، لم يتراجع عن خياره بالكتابة بالألبانية. وقد قدم عبر رواياته وأعماله، التي ترجمت إلى أغلب لغات العالم، الأدب الألباني، والرواية الألبانية، بما يصح معه وصفه بأنه «أبو الأدب الألباني الحديث» ومؤسسه الشرعي.
«جنرال الجيش الميت»
كانت بدايته الحقيقية عام 1970، حينما فاجأ الوسط الأدبي الفرنسي بصدور روايته «جنرال الجيش الميت»، التي تدور حول قصة جنرال إيطالي يعود إلى ألبانيا بعد الحرب العالمية الثانية ليعثر على جثث جنوده الإيطاليين الذين قُتلوا هناك بهدف إعادتها لتدفن في إيطاليا.
استُقبلت الرواية استقبال الروائع، ودُعي مؤلفها إلى فرنسا فقابله مثقفوها بالترحاب بوصفه صوتاً أصيلاً قوياً من وراء الستار الحديدي، وتُرجمت الرواية إلى أكثر من عشر لغات، واستلهم منها فيلمان شهيران: أحدهما يحمل عنوان الرواية نفسه، ولعب دور البطولة فيه ميشيل بيكولي، والآخر فيلم «الحياة ولا شيء آخر» لـ برنار تافارنييه.
منذ ذلك الحين، تُرجمت رواياته وأشعاره ومقالاته إلى الفرنسية والإنجليزية ولغات أخرى، وعُدَّ من كتّاب العالم البارزين، ورُشح مرات عدة لجائزة نوبل في الأدب، وقام ناشروه الفرنسيون بطباعة أعماله الكاملة في ستة مجلدات بالفرنسية، والألبانية الأصلية.
سبيكة إبداعية فريدة
اختار إسماعيل كاداريه الأدب (وفن الرواية تحديداً) طريقا للمعرفة، ووسيلة للتفكر والتأمل والتفلسف، وسبر أغوار الإنسان ذلك الكائن العجيب والغريب والمجهول، هو بذلك أحد كبار المفكرين بالرواية والمتوسلين بجمالياتها. لم يكن أمام كاداريه سوى أن يحكي الحكايات ويروي الروايات ويلتجئ إلى الميثولوجيا الألبانية القديمة، يستعيدها ويستعيرها ويوظفها مازجاً الشفاهي بالمدون، والمرجعي بالمتخيل في سبيكة إبداعية فريدة جعلته يتصدر المشهد الروائي الأوروبي، ويكون في مصاف كتابها طيلة العقود السبعة الماضية.
كان صادقاً وأميناً وهو يعبر عن رؤيته للكتابة، فالكتابة عنده، كما قال «ليست بالمهنة السعيدة أو التعيسة، هي بين هذا وذاك، هي تقريباً حياة ثانية، أكتب بسهولة، ولكنني دائم التخوف من أنني قد لا أكون جيداً، تحتاج إلى مزاج مستقر. أما السعادة والتعاسة، فكلتاهما لا تناسبان الأدب، لأنك في سعادتك تميل إلى الخفة والتفاهة، وفي تعاستك تتشوش رؤيتك، عليك أن تعيش أولاً، وتجرّب الحياة، ثم لاحقًا تكتب عنها».. (من حوار معه نُشر ضمن حوارات باريس ريفيو، ترجمة أحمد شافعي).
40 لغة
وقد ترجمت رواياته وأعماله الأدبية إلى أكثر من 40 لغة حول العالم، ومن ضمنها العربية.. من أبرز رواياته: «من قتل دورنتين؟»، و«طبول المطر»، و«الحصار» (فاز بجائزة البوكر العالمية عام 2005 عن هذه الرواية)، و«جنرال الجيش الميت» (1963)، وقصر الأحلام (1981)، و«نيسان المقصوف» (ترجمها إلى العربية الشاعر وديع سعادة وصدرت عام 1986)، و«قصة مدينة الحجر»، و«الجسر».. وغيرها من الأعمال والروايات.