سعد عبد الراضي (أبوظبي)
يعد «مسرح الشباب للفنون» باكورة المسرح الإماراتي تاريخياً، ورغم أنه مر بمحطات عديدة وأثر وتأثر بالبيئة والمتغيرات، بدءاً من جيل الرواد ووصولاً إلى جيل الشباب الذي يجد كل الدعم حالياً وفق رؤى استراتيجية ملهمة، إلا أنه ظل محافظاً على قيمته وحضوره، واستطاع من خلال التنوع، واستقطاب المواهب، أن يكون حاضنة للإبداع المسرحي، جامعاً مختلف الفنون كالتشكيل والأدب بأجناسه والترجمة والمكياج السينمائي والتلفزيوني والموسيقى، والتراث الشعبي وغيرها ليجسد لقب «أبو الفنون». «الاتحاد» وهي تقدم ملفها عن المسرح تلقي الضوء على هذا الصرح الوطني الاستثنائي، والذي يعول عليه في الفترة القادمة، لتلبية الطموحات وتحقيق الأمنيات في المسارات الفنية عموماً، ومسار المسرح على وجه الخصوص.
بدايةً، أكد المسرحي الفنان الإماراتي ناجي الحاي، رئيس مجلس إدارة «مسرح الشباب للفنون»، أن «المسرح» مر بمراحل مهمة منذ تدشينه مع قيام الاتحاد، كانت المرحلة الأولى بمثابة التأسيس، والتي شكلها عدد كبير من جيل الرواد أمثال: سلطان الشاعر، وظاعن جمعة، وموزة المزروعي، وعيد الفرج، وحسن شريف، في مسرحة فنون التشكيل، وغيرهم الكثير، حيث كان المسرح يحقق رغباتهم ويحتوي فنونهم، فلم تكن هناك مؤسسات أخرى في ذلك الوقت تلبي لهم طموحاتهم الفنية.
وأشار الحاي إلى أن المرحلة الثانية جاءت مع انطلاق وزارة الثقافة والشباب، وفي هذه المرحلة بدأت المسارح تنتشر وعاد دور مسرح الشباب بشكل مختلف، وأضيفت إلى نشاطاته الفنون الشعبية، وأكد ناجي الحاي أن المرحلة الثالثة التي انطلقت منذ عشر سنوات، كانت بداية أخرى للتجديد وتحقيق الاستدامة من منظور «الاقتصاد الإبداعي» من خلال المحافظة على المعايير الفنية المطلوبة، ومن هنا بدأت تتشكل الرؤية الرصينة لـ«مسرح الشباب للفنون» من خلال التخصصات المركزة والمتنوعة التي تم العمل عليها، حيث صارت في المسرح أقسام متعددة، بدايةً من «الفنون الأدائية» إلى «الفنون التشكيلية». وبالنظر إلى قسم «التراث الشعبي» و«القسم الإبداعي» على سبيل المثال، فإنه يعنى بالأجناس الأدبية كالشعر والقصة والرواية والترجمة، ولم يقتصر الأمر على الشكل التقسيمي فقط، ولكنه تعداه إلى منهجية متكاملة ترسخ مفهوم التخصصية في المضامين الإبداعية، حتى تكون الأقسام ذات صبغة فكرية أكثر من كونها مجرد أقسام منفصلة. وأكد الحاي أن التحديات التي تواجه الشباب في مجالات العمل، دفعتنا إلى استحداث رؤية استراتيجية، وابتكار برامج للشباب تؤسس للمهنية وليس للهواية، ولذا سعى مسرح الشباب للفنون لأن يكون بيئة حاضنة للصناعات الإبداعية، من أجل تمكين الشباب من أن يشارك في التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية واستثمارها في النتاج الثقافي والفني للدولة.
التنوع والتخصص
ولفت الفنان ناجي الحاي إلى أن من بين ما يحتاجه «المسرح» هو التخصص، حتى يجد الجمهور ذائقته ويعود إلى دعم الأعمال الإبداعية التي يقدمها الفنانون، حيث تكمن الإشكالية في أن معظم العاملين بالمسرح يبحثون عن دور الجوكر، الأمر الذي ساهم في إضعاف الشخصية المسرحية، وأكد الحاي على وجود إشكالية في الكتابة المسرحية، من حيث التناول والطرح الإبداعي الجاد. وفي هذا السياق، أشار ناجي الحاي إلى أهمية ما يقوم به «المسرح» الآن من دعم المواهب وفئة الشباب، لتقديم جيل جديد يكون قادراً على إعادة المسرح إلى المشهد بشكله المأمول من جديد. مضيفاً أن «مسرح الشباب للفنون» يرسخ من خلال ما يقوم به حالياً مقولة أن المسرح «أبو الفنون» جميعها بكافة أبعادها الجمالية والفكرية.
وتابع الحاي أن المواهب في ظل هذا «التنوع» و«التخصص» تأتي إلى المسرح فتوجه التوجيه الصحيح إلى الفئة الإبداعية، التي يمكن أن يتميزوا فيها، إن كانت فنوناً أدائية أو غيرها من الأقسام المختلفة التي تقع تحت مظلته، لافتاً إلى أن المسرح استقبل العشرات، ومازال يقدم لهم دورات تخصصية تصقل مواهبهم الإبداعية، كما نوه إلى أن المهرجانات أضرت كثيراً المسرح أكثر مما نفعته.
الجمهور مرآة
من جانبه، أكد المسرحي والفنان الإماراتي مرعي الحليان، مشرف «ورشة المسرح» في «مسرح الشباب للفنون»، أن كل تجربة مسرحية ناجحة هي التي تستطيع أن تصنع لها جمهوراً من حولها، يتذوق فنها وإبداعها وجمالها، وهذا الأمر هو حال كل الفنون الجميلة، وحال كل مبدع في علاقته بمجتمعه، وأي تجربة فنية ناجحة دليلها الوحيد هي جماهيرها.. عشاقها.. محبوها ومتذوقوها، وأضاف: وبهذا المقياس يمكننا أن نحتكم إلى أي مدى استطاعت التجربة المسرحية المحلية تحقيق نجاحاتها، وتابع: وبالنسبة لي أرى أن لتألق فن المسرح المحلي في الماضي، ارتباطاً وثيقاً بسعي الفنانين إلى جذب الجمهور إليهم، ويدل على ذلك التجارب المسرحية في الثمانينيات والتسعينيات، وقبلها أيضاً، حيث كان كتاب المسرح يضعون في اعتبارهم قضايا الناس ويومياتهم.
وتابع الحليان: حينما ولدت المهرجانات المحكمة أغرت المسرحيين بالجوائز، فأنكفؤوا على أنفسهم يحققون رغباتهم الخاصة، عبر السعي لإرضاء لجان التحكيم، وبذلك تحول هدف المسرحيين من السعي خلف ذائقة الجمهور والمجتمع، إلى السعي خلف ذائقة لجان التحكيم وما يرضي هواها، وصارت جهودهم الفنية لصالحهم لا لصالح الجمهور، ما نتج عنه هجر الجمهور لعروض المسرح المحلي، وهذا ما وصل الحال إليه، ولم يعد المسرح المحلي ظاهرة يسعى إليها الناس. وأكد الحليان أن المهرجانات المحكمة جرت المسرح المحلي، الذي هو ابن بيئته، إلى تبني قضايا وأطروحات بعيدة عن اهتمامات الناس والمجتمع، فزادت المسافة الفاصلة بينه وبين جمهوره العريض.
وأضاف مرعي الحليان: اليوم يحاول بعضهم استقطاب الجمهور الغائب، عبر الاتكاء على مسرح الشباك والكوميديا، لكن دون جدوى، لأن ما يقدم من كوميديا هو في أغلبه خارج أطر الكوميديا، وأضاف: الآن توجد عروض مسرحية، سواء شبابية أو لنجوم الساحة الفنية، لكنها لا تشكل ذائقة عامة، فهناك مسرح، لكن من دون علاقة مسرحية فنية بينها وبين جمهورها، مبيناً أن «المسرح في المجتمع، والمجتمع في المسرح»، وحينما تتحقق هذه المعادلة يصبح للتجربة قاعدة جماهيرية، ويصبح لها حضور في الحياة.
من جانبه يقول الفنان حسن يوسف، أمين سر مسرح الشباب: دوري أشبه بالدراماتورج في المسرح من حيث التواصل مع الجهات المعنية والبحث عن كل ما هو جديد في الساحة الفنية المحلية والعربية والعالمية، ونحن، في مسرح الشباب، نبحث عن خامات جيدة تستحق الدعم والتوجيه، لنقوم بتوفير المناخ المناسب لهم في جميع المجالات الأدائية والثقافية والموسيقية والتشكيل والفنون الشعبية، وأهدافنا كبيرة في مسرح الشباب للفنون وتوجهنا مع توجه الدولة وتطورها السريع في كل المجالات، و تفكيرنا عالمي، وتطلعاتنا كمسؤولين أن نعمل بجدية لخدمة الشباب من توفير الورش التدريبية لهم والتواصل مع الجهات الداعمة للشباب مثل وزارة الثقافة وهيئة دبي للثقافة وغيرهما من الجهات والشركات حتى يتأسس هذا الشاب بشكل جيد جداً.
السهم الثاقب
تقول الهنوف محمد عن القطاع الأدبي لمسرح الشباب للفنون: المسرح جزء لا يتجزأ من الأدب باعتباره نصاً أدبياً، يحمل في حيثياته الشعر والقصة والرواية وأدب الطفل، لذا فمن المهم أن يكون للمسرح قطاع أدبي فضفاض يستوعب هذا الخط المهم، وتجربة «مسرح الشباب للفنون» في استيعاب القطاعات الموجودة تصب في خدمة المبدع والفنان، سواء كان كاتباً أو مخرجاً أو ممثلاً.
وتضيف: القطاع الأدبي في تجربة «مسرح الشباب للفنون» يكثف جهوده في إبراز الشعراء والكتاب والنقاد وكتاب أدب الطفل والانفتاح على اللغات العربية والأجنبية على حد سواء، من خلال إقامة أمسيات شعرية، واستضافة نجوم ثقافية لهم بصمات متفردة، بالإضافة إلى ورش ودورات في أدب الطفل.
ومن المهم جداً تأسيس الشباب وتدريبهم، خصوصاً أن لديهم شغفهم وأفكارهم وأحلامهم الخاصة بهم، ويختلف هذا الجيل عن الأجيال السابقة في التمسك بأفكاره، لذا وجب استيعاب الوضع والتأني في التعامل معه، ومسرح الشباب يقدم هذا الاستيعاب بكل حب وتريث.
مساحات حوارية
وأكد الفنان الشاب جاسم يعقوب البلوشي، وهو أحد المواهب الشابة التي قدمها «مسرح الشباب للفنون»، أن المسرح يقدم الفرص لجميع الفنانين والراغبين في صقل مواهبهم، وأنه داعم لجميع أنواع الفنون مثل «الفن التشكيلي» و«الموسيقى» و«المسرح» و«السينما». وأضاف: نحن كشباب وفنانين صاعدين، كنا نبحث عن فرصه، لكن مسرح الشباب دفعنا إلى خلق الفرص لأنفسنا عن طريق الورش والبرامج التعليمية التي يقدمها، واليوم أنا كشاب من أول المستفيدين من هذا البرنامج، حيث قدمت مشروعي الذي هو يعتبر حلماً من أحلامي ودعمني المسرح من جميع النواحي. وتابع جاسم: المسرحية الجديدة التي أشارك فيها تناقش قضايا كثيرة، أهمها قضايانا نحن الشباب بطريقة كوميدية جميلة، نهدف من خلالها إلى خلق مساحات حوارية ونقاشية بمقدورها أن تبقى وتؤثر في ذاكرة جميع المشاهدين.
جهد كبير
يقول الروائي والإعلامي جمال مطر: إن «مسرح الشباب للفنون» في مدينة دبي، يقوم بجهد أكبر من حجمه، وكأنه جهد مؤسسي ثقافي وفني واجتماعي كبير، حيث يقدم أنشطة متنوعة من مسرح وتشكيل وسينما، إلى جانب الورش التدريبية في التمثيل والإلقاء والشعر، وأصبح المسرح بقيادة المسرحي الفنان ناجي الحاي متألقاً وصار الإقبال عليه كبيراً من اليافعين والشباب بمختلف اهتماماتهم ومواهبهم، حيث يستقطبهم بأنشطته المختلفة، ويوجههم ويقدم لهم ورشاً حقيقية تصقل مواهبهم، خاصة أن الخطط المبتكرة للمنهج التعليمي والمعرفي والعملي المقدمة بجهود كبيرة، غير مرتبطة فقط بحاضر الفعل المسرحي في الإمارات، ولكنها تؤسس لمستقبل فني واعد، بمقدوره أن يرفد المجتمع المسرحي بمبدعين ومتذوقين لحالة المسرح، ويحقق استدامة دور «المسرح» في إثراء الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية.