عدد اليوم
محمد نجيم (الرباط)
يبدو الإنسان في منحوتات الفنان والنحات المغربي محمد غزولة، كأنه ينشد آلامه متمسكاً بالخيط الواهي الذي يفصل بين الحياة والموت، بين النور والظلام، بين الفرح والحزن، وهذا يتضح في أعماله النحتية التي قدمها في معرضه المقام في مدينة تطوان، حيث نرى الإنسان يعزف آلامه وأفراحه متشبثاً بالحياة رغم ما فيها من مآسي وحروب وكوارث وضبابية المصير.
ملامح مرعبة
الفنان محمد غزولة يمنح الحياة لتلك الشخوص البادية، بملامحها القلقة، وبتفاصيل دقيقة لملامح مرعبة ووجوه متآكلة، طارحاً أفكاره وفلسفته ونظرته إلى هذا العالم المتشظي والمتسارع في تحوله، كما برع إلى حد ما في إثراء أعماله بتفاصيل متناهية الدقة ومحملاً تلك الأعمال، التي أخرجها من خشونة الحديد وصلابته، بواقعية مفرطة لتبدو كائناته المتخيلة التي لا نرى فيها إلا الجسد الإنساني متشظياً وحاملاً لتعابير تحمل الكثير من القلق وتطرح تساؤلات تعبر عن العبثية واللاجدوى، لكنها شخوص تهرب من هذا الواقع الضبابي إلى عالم الموسيقى لتعزف لحن الأمل والفرح والسلام.
ترويض الصلابة
غزولة بهذا المعنى هو نحات مبدع من خلال اشتغاله على مادة الحديد كيّاً وتلحيماً وصقلاً وتشذيباً، حتى تتحول من صورتها الخام إلى أعمال فنية، وبحسب الناقد الجمالي رشيد برهون، الذي قال عن منحوتات محمد غزولة «إن أعماله نتيجة ترويض الصلابة، ولكن العملية أقرب ما تكون إلى الملاعبة التي تجمع بين العنف والرقة، القوة واللين.. ونحن نتأمل هذه المنحوتات، نستشعر حركتها رغم جمودها الظاهر، بل ونسمع تصاعد نغمات من تلك الآلات الموسيقية التي يحملها كل فرد من أفراد المجموعة الموسيقية التي أبدعها غزولة، في نوع من الفن المرآوي، الفن داخل الفن».
طابع تركيبي
فيما، ترى الناقدة نادية بولعيش أن محمد غزولة لا ينساق وراء الأشكال التي تتخذها المادة الحديدية خلال النحت، بل يتحكم في حلقات المسلسل الإبداعي، عبر تصور فني مسبق ودقيق نسبياً، وهي العملية الأصعب نظراً للطابع التركيبي المتناسق في القطعة الواحدة بهدف إبراز التفاصيل، وهي مرحلة متقدمة أو عليا يصل إليها النحات عبر المثابرة والممارسة الطويلة، والتفاصيل هنا مختلفة عن المفهوم الكلاسيكي للنحت القديم القائم على الحفر في القطعة الواحدة مما جعله لمدة طويلة نسخة من الواقع.
