هزاع أبوالريش (أبوظبي)
«البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع»، الذي أعلنت عنه وزارة الثقافة، تماشياً مع الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في عام 2021، للنهوض بهذا القطاع الحيوي ليكون ضمن أهم عشر صناعات اقتصادية بالدولة بحلول 2031، ويهدف البرنامج إلى ترسيخ الرؤى الإبداعية ودعم الكفاءات الوطنية بتقديم منح مالية للمبدعين الإماراتيين لدعم مشاريعهم الإبداعية، وإتاحة الفرصة لعرض أعمالهم محلياً وإقليماً ودولياً، للتعريف بالمواهب والإنتاج الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
واستقبل البرنامج في دورته الأولى لعام 2023، طلبات من مختلف المجالات الثقافية والإبداعية، حيث شملت، «التأليف والنشر»، و«الموسيقى» و«الأفلام والتلفزيون»، و«الفنون الأدائية»، و«المسرح»، و«الفنون البصرية» و«التصميم»، و«ألعاب الفيديو»، و«التراث الثقافي». وأسهمت فكرة البرنامج في تنمية المسارات المهنية، وزيادة إنتاج المشاريع الإبداعية، ومساعدتهم على تجاوز العوائق المالية التي تحول دون تطوير أو إنتاج مشاريعهم أو مشاركتهم، وتوفير الفرص المختلفة لهم.
وحقق البرنامج نجاحاً كبيراً في دورته الأولى، ويعد بوابة ذهبية للتألق والتطور الإبداعي، حيث بلغ عدد المستفيدين من المنح 26 مبدعاً إماراتياً ناشئاً ومتمرساً في عدد من المجالات الثقافية والإبداعية، منها: «أفلام قصيرة»، و«كتب منشورة»، و«إنتاجات مسرحية»، و«لعبة فيديو»، وبالإضافة إلى مشاركة المبدعين في الإقامات الدولية والعروض والمعارض الفنية في «البندقية»، و«مصر» و«لاتفيا» و«بولندا».
استدامة العمل الإبداعي
أكد مبارك الناخي، وكيل وزارة الثقافة في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، «أن البرنامج الوطني جاء إيماناً من استدامة العمل الإبداعي، ودعم المبدعين الإماراتيين لتعزيز نموهم الإبداعي والفكري والمهني، والحفاظ على الهوية الوطنية والموروث الإماراتي من خلال تعزيز الإنتاج الثقافي، لافتاً إلى أن مثل هذه البرامج تسهم في بناء تجمع قوي ولافت للمواهب لإثراء الاقتصاد الإبداعي في الدولة، وكذلك تعزيز المشهد الثقافي وتمكين المبدعين الإماراتيين للتعرف على أعمالهم الإبداعية على مختلف المنصات المحلية والدولية، مما يساعد في توسيع شبكة الصناعات الثقافية والإبداعية المحلية وتعزيز قيمتها الاجتماعية والاقتصادية».
وتابع: «مثل هذه البرامج الوطنية، بلا شك تشجع الاستدامة في الممارسات الفنية للفنانين المبدعين من خلال استخدام الموارد الصديقة للبيئة، وتصب في تطوير تنمية مهارات وقدرات المبدعين، وتعزيز الفرص المقدمة لهم من خلال رحلة إنجازهم للمشاريع أو ما بعدها، وكذلك تعزز من دور الشركاء في المجال الثقافي والإبداعي. وما ميّز البرنامج في دورته الثانية، فتح باب التسجيل لدورتين خلال العام، حيث ستنطلق الدورة الثالثة في شهر سبتمبر المقبل، بالإضافة إلى أن البرنامج استقطب فرصاً تمويليه من الحكومة، وأنشأ علاقات واسعة النطاق للشراكات على المستوى المحلي والدولي، لتنويع فرص الدعم للمستهدفين».
وأما بالنسبة للمستفيدين من البرنامج، والفائدة التي يقدمها للمجتمع الإبداعي، فقال الناخي: «المستفيدون في المقام الأول هم الناشئون والمحترفون في المجالات الثقافية الإبداعية، والفائدة بتوفير فرص نوعية للترويج عن مشاريع المبدعين». مختتماً: بلا شك، من خلال مشاركات المبدعين في المنصات الثقافية المحلية والدولية، سيسهم ذلك في إثراء المشهد الثقافي ويحزز الحضور المحلي وما سيقدمه للساحة الإبداعية - الثقافية.
دعم المبدعين
من جانبها، قالت عفراء الظاهري، الفائزة بالدورة الأولى في مجال «الفنون البصرية والتصميم»، عن فئة الإبداع والإنتاج: «مشروعي بعنوان «إرهاق جماعي»، وهو عبارة عن تجربة تجسد التصور الخارجي مقابل التصور الداخلي لحالة وجودنا الحالية من خلال تسارع الزمن، وهو يتألف من هيكل شبكي يشبه الجدار، يحمل في كل صندوق كومة من مادة الحبال غير المكتملة، وقمنا بتفعيل العمل بالتعاون مع فنانين عالميين»، مشيرة إلى أنها لو لم تحصل على المنحة، لما استطاعت استكمال هذا المشروع.
وقالت الظاهري: اجتهدت كثيراً في العمل، وسعيت جاهدة لأن يكون العمل متنوّعاً وفيه جانب تعليمي، كوني أستاذة جامعية في كلية الفنون بجامعة زايد، وجعلت من ضمن العمل هناك لمسة من المشاركات الطلابية لإنتاج المشروع، وهذا ما جعل لديهم خبرة جديدة في إنتاج عمل، ربما يكون خارجاً عن المألوف. وما خدم المشروع أكثر، السؤال الذي طرحناه أثناء العمل على المشروع نفسه، كيف يمكن إنتاج عمل أدائي من غير ممثلين؟ وهذا السؤال جعلنا ننظر إلى المشروع من جانب آخر، حيث استقطبنا مصممي إضاءة كون خبرتهم السابقة كانت في المسرح، وهذا ما ميّز العمل، لإحداثه حالة من الانسجام والاندماج المبهر ما بين الصوت والإضاءة، فالتداخل الثنائي شكل طابعاً فنياً منفرداً.
واختتمت الظاهري: فكرة «إرهاق جماعي» جاءت من تساؤلات حول الإنشغال اليومي والمستمر الذي يجهد العقل والجسد والإنسان، فما بعد ذلك الإرهاق؟! هل سنصل في يوم ما إلى الخذلان من بذل الجهد والعمل؟ فتلك التساؤلات جعلتنا نقف عند هذا المشروع والعمل عليه.
منحة موسيقية
وتحدثت إلهام حسين المرزوقي، الفائزة بالدورة الأولى في مجال «الموسيقى»، عن فئة السفر والتنقل الدولي، قائلة: من الصعب أن يصف الإنسان مشاعر الفوز بعد رحلة من المثابرة والاجتهاد، فعلياً بدأت رحلتي الموسيقية عندما كنت في الخامسة من عمري، تلقيت خلالها دروساً للعزف على البيانو في معهد والدتي للموسيقى في أبوظبي، فقد كانت والدتي رائدة في مجال الصناعات الإبداعية، وذلك بتأسيسها أول معهد للموسيقى في الثمانينيات، وأنا ممتنة لدعمها الدائم وتشجيعها لي ولكل الموهوبين في دولة الإمارات، فقد واصلت العزف على البيانو لسنوات عديدة، ولكن البيانو تعتبر آلة منفردة في الأغلب، وكنت أتوق إلى أن أكون جزءاً من الأوركسترا والمجتمع الموسيقي، لأقع بعدها في حب آلة التشيللو، وبسبب تعليمي الموسيقي المتقدم، سرعان ما أصبحت جزءاً من العديد من فرق الأوركسترا وقمت بالعزف مع مغني الأوبرا بصوته التينور الشهير (أندريا بوتشيلي) مرتين في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، بعدها قمت باجتياز اختبار أداء لأوركسترا الفردوس (تحت إشراف الفائز بجائزة جرامي والأوسكار) أي.أر. رحمان، وهي أوركسترا محترفة مكونة من النساء فقط، نتج عنها مشاركة مهمة لنا معاً في عدة مبادرات موسيقية، أهمها معرض «إكسبو 2020»، وبذلك أصنف الموسيقية الإماراتية الوحيدة المسجلة في عضوية رسمية للأوركسترا وهي (أوركسترا الفردوس)، وأول عازفة تشيللو إماراتية.
الطريق الصحيح
إلهام حسين المرزوقي، أضافت: وهكذا استمرت نجاحاتي حتى حصلت على منحة موسيقية مهمة من الوزارة، ضمن برنامج المنح الوطنية للثقافة والإبداع، مما مكنني من السفر إلى كراكوف لحضور «مهرجان كراكوف السينمائي» لأداء أول عرض أوروبي لديزني «الأسد الملك» في Tauron Arena مع أوركسترا أكاديمية بيتهوفن. ومشاركتي في الحفل جاءت بفضل الله أولاً، ثم بفضل برنامج المنح الوطنية للثقافة والإبداع تحت رعاية وزارة الثقافة في دولة الإمارات، وأنا فخورة جداً وعاجزة عن التعبير لفوزي في الدورة الأولى من المنحة الوطنية، فشكراً على هذا الدعم وعلى تعزيز إيماني بأنني اخترت الطريق الصحيح، وبالتالي فإنني أشجع جميع المبدعين الإماراتيين على التقديم، كما أنني أتطلع إلى المزيد من المشاريع في المستقبل.
تنمية المهارات
فضل إبراهيم آل علي، الفائز بالدورة الأولى في مجال «التراث الثقافي»، عن فئة تنمية المهارات، أوضح أن تجربته مع البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع كانت مذهلة وتعدّ محطة بارزة في مسيرته الأكاديمية والمهنية. حيث حصل على فرصة متميزة للتدريب الدولي التخصصي لمدة 3 أشهر في مجال تاريخ الفن ودراسة المتاحف في قصر اللوفر في باريس، فرنسا، فكان الهدف من هذا التدريب هو اكتساب المعرفة داخل المتاحف وتعزيز التطوير المهني، بالإضافة إلى الحصول على خبرة عمل دولية كجزء من استكمال درجة الماجستير في جامعة السوربون أبوظبي. يقول آل علي: «خلال فترة التدريب، تعلمت الكثير عن كيفية إدارة المتاحف، والتعرف على أفضل الممارسات في هذا المجال، فكانت هذه التجربة فرصة لا تُقدر بثمن للتفاعل مع خبراء ومهنيين من مختلف أنحاء العالم، مما ساهم في توسيع آفاقي وتعميق فهمي لتاريخ الفن».
وأضاف: على الصعيد الشخصي، ساعدتني هذه التجربة على تطوير مهاراتي الأكاديمية والمهنية بشكل كبير، وزادت من ثقتي بنفسي وقدرتي على العمل في بيئات دولية، وفتحت لي أبواباً جديدة للتواصل مع محترفين في مجال تاريخ الفن والمتاحف. مختتماً: فوزي بجائزة البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع والمشاركة في هذا التدريب الدولي لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل شكل محطة تحول حقيقية في مسيرتي الأكاديمية والمهنية، وأتمنى أن تكون قصتي مصدر إلهام وتحفيز للآخرين للسعي نحو تحقيق أحلامهم والمشاركة في مثل هذه الفرص الوطنية القيمة.