يعد التراث الثقافي غير المادي جزءاً لا يتجزأ من تاريخنا العريق في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهو يمثل كل ما ورثناه عن أسلافنا من عادات وتقاليد وأشكال تعبير وممارسات اجتماعية، وشكَّل أساس هويتنا الوطنية التي نفخر بها، وتؤكد قيادتنا الرشيدة على الحفاظ عليها في شتى المجالات وكافة الأطر، دفعاً نحو تحقيق استراتيجيات الدولة ورؤاها للأعوام القادمة.
وهذا العمل الدؤوب نحو الحفاظ على جميع أشكال التراث الثقافي غير المادي، أهّل الإمارات للحصول للمرة الثانية على مقعد في اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي للفترة من 2024- 2028، خلال انعقاد الدورة العاشرة للجمعية العامة للتراث الثقافي غير المادي في مقر منظمة اليونسكو بباريس هذا الأسبوع، وهو الأمر الذي يؤكد أيضاً التزام الدولة بمجالات العمل التي تغطيها اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي التي اعتمدها المؤتمر العام لليونسكو في 2003.
ولطالما أدركت دولة الإمارات بشكل مبكر مدى أهمية الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي، الذي يعد بمثابة سجل ثري للمعارف والقيم والممارسات المتوارثة عبر الأجيال، والذي يتنوع ليشمل، فن الصقّارة، وإيقاعات رقصة «العيالة»، والروح المجتمعية النابضة للمجلس التقليدي، وكذلك جمالية الخط العربي والمأكولات التراثية كالهريس، فضلاً عن كل تلك المكونات التي رسمت ملامح تاريخنا وحياتنا وتكويننا المعرفي والثقافي.
وتجدر الإشارة إلى أن الإمارات منذ العام 2011، سجلت 15 عنصراً على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي بهدف ضمان توفير حماية أفضل لهذه العناصر والتوعية بأهميتها. وقد تحقق ذلك بفضل الجهود والتعاون المستمر بين وزارة الثقافة، ودائرة الثقافة والسياحة -أبوظبي، وهيئة دبي للثقافة والفنون.
وتنطلق أهداف دولة الإمارات للترشح لعضوية اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، معتمدةً على ثلاثة محاور أساسية، أولها تعزيز القدرة على صون التراث الثقافي غير المادي، الأمر الذي يعد ضرورياً لضمان الحماية الفاعلة للتراث الثقافي غير المادي، والذي نتج عن الاستثمار في مبادرات التعليم والتدريب والبحوث، التي تهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من خلال الحفاظ على تقاليدها الثقافية ونقلها إلى الأجيال القادمة.
ويقوم المحور الثاني على أهمية تعزيز التبادل الدولي من خلال الملفات الثقافية المشتركة، والتبادل الحضاري، خاصة في عالم متسارع ومتطور ويحمل في طياته الكثير من أسباب الترابط حيناً والتباعد حينا آخر، إذ تساهم الملفات الثقافية المشتركة في تسهيل الحوار والتعاون بين الدول وبناء جسور التواصل، وإرساء فهم أعمق للتعبيرات الثقافية المتنوعة والمشتركة، وتعزيز الانسجام في ظل وجود تنوع ثقافي هائل.
في حين أن المحور الثالث الذي لا يقل أهمية عن المحورين السابقين، وهو حماية المجتمعات وممارسي التراث، إدراكاً منا للدور الفاعل والمهم الذي تقوم به المجتمعات المحلية بصفتها القائمة على التراث الثقافي غير المادي، حيث ركزنا جهودنا نحو دعم أنشطتهم وضمان استمرار نموهم وازدهارهم.
هذه الجهود لن تتوقف هنا فحسب، بل نتطلع إلى مواصلة العمل مع شركائنا وزملائنا من الدول الأعضاء لتحقيق أهداف اتفاقية عام 2003، وتقديم التوجيه بشأن أفضل الممارسات والتوصيات لصون التراث الثقافي غير المادي. والأهم من ذلك، أننا سنبقى ملتزمين بحماية نسيج التراث الثقافي غير المادي المتنوع في دولة الإمارات لكونه يشكل قوةً دافعة لنا جميعاً.
وعلى مدار الخمسين عاماً الماضية، قطعت الإمارات أشواطاً كبيرة في مختلف المجالات في الحفاظ على إرثها الثقافي المتنوع والاحتفاء به، وضمان توارثه من جيل إلى آخر. ومن خلال احتضان التراث الثقافي، لا نحتفي بالماضي فحسب، وإنما نمهد الطريق لمستقبل أكثر شمولاً واستدامة.
وزير الثقافة