محمد عبدالسميع (الشارقة)
لورا فيشيا فاغليري، باحثة إيطالية في التاريخ الإسلامي واللغة العربية، وترجم لها منير البعلبكي كتابها الشهير «دفاع عن الإسلام»، وهو كتابٌ قيّم يحسّ من يقرأه، أو يطّلع على بعض عناوينه أنه أمام جهدٍ استشراقي منصف وجاد يتوخّى توصيل رسالة، خصوصاً إذا ما عرفنا أنّ لورا فاغليري من مواليد عام 1893 وتوفيت عام 1989، فهي فترة كافية لقراءة أفكارها المدعّمة بكتب في هذا السياق، من مثل «قواعد اللغة العربية»، و«الإسلام»، والكتاب الذي نحن بصدد قراءة مقتطفات منه، والوقوف عليها تحت العنوان العريض «دفاع عن الإسلام».
مثل هذه القراءات والجهود المنصفة للفكر الإسلامي، ولجوهر الدين الحنيف وآثاره الإنسانية التي يقبلها العقل ويحتفي بها، هي قراءات وجهود تضاف إلى آثار قيّمة لمستشرقين دأبوا على البحث والحفاوة المبررة التي أودعوها كتبهم، ونستعيد بعضاً منها اليوم، للتذكير بعظَمَة هذا الدين، ووسطيّته وحضوره في كلّ ميادين الحياة، عنصراً إيجابياً يمنح الإيجابية، ويعزز الذات ويدعو إلى تصالحية الإنسان مع نفسه ومع الكون.
أمّا الكتاب الصادر سنة 1952، فكان يتناول في عناوينه وخطوطه العريضة مواضيع القدرة على التغيير، ومغزى الشعائر الخمس، والشريعة والحياة، والانسجام مع الإنسان، والبعد الأخلاقي في سيرة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.
وتداول المؤرخون ودارسو الاستشراق، جملاً رائعة للمستشرقة فاغليري، وتعبيرات ثريّة تحمل فكراً وتزدهي بثوبٍ قشيب من البيان، كما في وصفها نشأة الإسلام كينبوعٍ من الماء الصافي النمير، جاء ليحيي شعباً في بلاد منعزلة، ويمنحها الحضارة والفكر حين تحوّل هذا الينبوع إلى جداول، ثم أصبح نهراً تفرّع في البلاد متدفقاً بآلاف القنوات، وهذا من بديع تأثّرها واهتمامها، كاحتفاء بالدين الذي جعله الله رحمةً للعالمين، في نداء مباشر للعالم كلّه تعدّى حدود الأمة العربية إلى أجناس عديدة ولغات متنوعة أثّرت فيها الكلمة التي غيّرت الكثير من المفاهيم والأفكار.
وفي الكتاب، تداولت لورا فاغليري الموضوع اللافت لكل منصفٍ لدين الإسلام، وهو موضوع التعامل مع الرقيق، كشعور إنساني أكّده رسول البشرية محمد، صلى الله عليه وسلم، ونبّهت إليه الباحثة في مقايستها لحالة الرقيق في الإسلام، وحالته في البلاد الأخرى، مهتمّةً بالجوهر الرائع لهذه النظرة، من خلال سرد الحوادث والشواهد العديدة على ذلك.
أمّا قيمة الشعائر الخمس من وجهة نظر الباحثة لورا فاغليري، فكانت في ما تمنحه هذه الشعائر من قيمة روحية تسمو بالإنسان، وتصله بربه القريب منه، وقد لفَتَها هذا النداء الجميل إلى الصلاة التي يتعبّد المسلمون فيها، ويبجّلون خلالها خالقهم، وتنعكس على حياتهم بالخير والبركة والسعادة والطمأنينة، وهي صلاةٌ تعتمد طهارة النفس والجسد، ولها وقعٌ مؤثرٌ في النفس. ومن هذه الشعيرة، تذهب الباحثة فاغليري لتدرس الصوم أيضاً في انضباطه ورحمته واستعلاء الصائم على ملذات الجسد خلال مدى معين، كدرس في تعلّم الصبر والسمو، ومثل ذلك كانت الزكاة والصدقات ومساعدة المحتاجين، والحجّ، فكلّ شعيرة لها مزاياها وحكمتها، وتأثيرها الإيجابي على الفرد والمجتمع.
وأخيراً، كان البعد الأخلاقي في سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمراً مهماً عند الباحثة فاغليري، وهي تحتفي بمناقب الرسول الكريم وقِيَمِهِ وأخلاقهِ، وبذلك فقد كانت تنتصف له من كل التهمّ والافتراءات، وقد ترسّخت لديها أمانة هذا الرسول ونقاؤه وصدقه وحكمته أيضاً في كلّ مراحل حياته والقضايا المهمة التي كانت بمثابة تأكيد جديد في كلّ مرة على صبرهِ وسماحتهِ وحرصهِ على هداية الناس من الظلمات إلى النور.