فاطمة عطفة (أبوظبي)
يعتبر الشاعر الألماني يوهان جوته (1749-1832) أحد أعظم أدباء ألمانيا والغرب عموماً، وقد كان مولعاً بدراسة اللغات واستكشاف البلدان في رحلات متعددة، أهمها الرحلة الإيطالية التي نشرت في مشروع «أدب الرحلة» الذي يرعاه الشاعر محمد أحمد السويدي.
وقد أولى جوته اللغة العربية، لغة القرآن الكريم والشعر العربي، أهمية كبيرة وعشق الخط العربي، وربما رأى فيه لمسة روحية أقرب ما تكون إلى الصوفية. وكان يرى أن التناغم أو الانسجام بين الكلمة والخط يوحي بعلاقة روحية لا مثيل لها في أي لغة أخرى. ومن روحانية الكلمة العربية نبع شغفه بالقرآن الكريم، وبروائع الشعر العربي، وخاصة شعر أبي تمام والمتنبي، وكذلك قصائد بعض شعراء ما قبل الإسلام، وبعض الشعراء الصعاليك.
ويبدي جوته إعجابه بالمنهج التقليدي في التربية العربية الإسلامية، بدءاً من قراءة القرآن الكريم إلى تعلم الخط وحفظ بعض قصار السور، إلى جانب أبيات من الحكمة في الشعر العربي. ويضاف إلى ذلك أن المزايا الفنية والجمالية في الخط والتنوع في كتابة الحروف العربية تمتاز بمسحة صوفية وروحانية، مستلهمة من وحي روحانية الإسلام والشرق بصورة عامة. وهذا مما ترك تأثيره الكبير في وجدان شاعر ألمانيا الكبير. وربما كان تعلقه بشعر المتنبي وأبي تمام يعود إلى كثرة أبيات الحكمة عند هذين الشاعرين.
ويعتبر الفيلسوف عبدالرحمن بدوي هو أول من ترجم ديوان الشاعر جوته إلى العربية بعنوان «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي». ولكن أحدث ترجمة للدكتور عبد الغفار مكاوي جاءت فقط بعنوان «الديوان الشرقي» وأصدرته الهيئة المصرية للكتاب. ويشير د. مكاوي في مقدمته إلى عمق محبة جوته للقرآن الكريم وحفظه لعدد من الآيات، وخاصة من السور المكية.
ولا شك أن ثقافة جوته الواسعة واهتمامه بآداب الشرق وملاحمه من فارسية وهندية وصينية، قد توجهما بسعة اطلاعه على الثقافة العربية التي أولاها اهتماماً أكبر من أي ثقافة أخرى، انطلاقاً من محبته للقرآن الكريم والرسول محمد، صلى الله عليه وسلم.
وتشير بعض الدراسات العربية إلى أن جوته كان مولعاً باستعادة معاني العديد من الآيات الكريمة، ومنها قوله تعالى في سورة طه: «قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْرِي ويَسِّرْ لي أَمْرِي واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي»، كما كان يكتب بخط يده بعض الآيات والأحاديث والأبيات الشعرية، تعبيراً عن شغفه بها، وخاصة أن الكتابة باليد تساعد على الحفظ وترسيخ النص في الذاكرة.
وإذا تأملنا في أسباب تعلق جوته بالإسلام، انطلاقاً من القرآن الكريم وسيرة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، واهتمامه اللافت باللغة العربية وآدابها وعلومها، فإن روحانية الإسلام وتوجهه للناس كافة هما أول ما لفت نظر هذا الشاعر الكبير واستأثر بإعجابه وتقديره، كما أن العدالة في الشريعة الإسلامية، مقارنة بالقوانين في عصره، وخاصة التوصية باليتامى والوالدين وقيم الأسرة الفاضلة بصورة عامة في قوله تعالى: «ومِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسٍكُمْ أزْواجاً لِتَسْكُنوا إلَيْهَا وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً، إنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون». وهنالك آيات كريمة أخرى كانت تأخذ بوجدان الشاعر ومشاعره، ومنها قوله تعالى: «وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى»، وكثير غيرها.