محمد عبدالسميع (الشارقة)
لا يخلو المسرح «أبو الفنون» من أعمال فلسفيّة بين الحين والآخر، لإشراك المتلقي في فهم الثِّيَم والاشتغالات الذهنيّة وقراءة جوانب الحياة من منظور مغاير، اعتماداً على أنّ المسرح بات يقترب أكثر من الذات ويخاطبها بعمق بعيداً عن التلقي البسيط للعرض.
ولعل هذا ما حملته مسرحيّة «المشهد صفر»، التي عرضت على مسرح معهد الفنون المسرحيّة بالشارقة، ضمن عروض أيّام الشارقة المسرحيّة في دورتها الثالثة والثلاثين، بما يحمله العنوان من غرابة ودعوة إلى التفكير، من خلال مساحة التأويل المطروحة وفنيّات الأداء والنتيجة المستخلصة في مزج رسالة المسرح كفكرة ومكاشفة الجمهور بها، وذلك بكسر الحاجز الكلاسيكي بين المسرح والجمهور.
واعتمدت مسرحيّة «المشهد صفر» على النهايات المتعددة، واختيار كلّ فرد نهايته استناداً إلى بدايته، بالإضافة إلى رسائل حملها سياق العمل من حيث مدى وجود الموهبة في عالم التمثيل وتحقيق الشهرة للعاملين في هذا القطاع.
وفي العرض، الذي كتب نصّه أحمد الماجد وأخرجته إلهام محمد، وأدّى بطولته كلٌّ من الفنانين رائد الدلاتي ومحمود القطان وخديجة بكوش وسارة السعدي، كان الاتكاء على مسرحيّة داخل المسرحيّة، من خلال بروفة في محطة قطار بسيطة، تلقّى الجمهور فيها شخصيّة المخرج المتسلّطة وبحثه عن الشهرة والتميّز وصناعة الأحداث، كما برزت في العمل قيمة الحبّ أو التضحية بها، من خلال علاقة الصداقة والحبّ التي جمعت المخرج ببطلة العرض، كعوامل مساندة في الذهاب إلى مناطق وأفكار جديدة، خصوصاً أنّها تزوجت من صديقه الأكبر سنّاً واستمعت لرغبة أهلها في ذلك، بينما ظلّ المخرج ساعياً في حبّها طمعاً في الشهرة، لتسير الأحداث بفنانة جديدة اقتربت من المخرج وفق مبدأ اجتماع المصالح وأهداف الشهرة، كقراءة للواقع الفني ومكاشفة لما يجري فيه من تفاصيل.
وهذا التحدي في الاشتغال على الأفكار وتجسيدها والتأثير على جمهور العرض، كان معتمداً على أداء الأدوار والمقدرة على النهوض بحوارات العمل وفنيّاته وتوزيع هذه الأدوار بشكل يضمن استمرار التلقي، ومتابعة الفكرة الرئيسية وما تفرّع عنها من أفكار أرادها المخرج وكاتب النصّ.
ومن خلال العرض، وعلى مستوى السينوغرافيا والإضاءة والصوت، كان التحدي أيضاً في تعزيز هذا الجانب وتلافي ما يمكن أن يؤثر في العلاقة ما بين المتلقي وخشبة المسرح لمزيد من التشاركيّة والمتابعة.
وفي عرض كهذا، كان لا بدّ أن ينتابه بعض الغموض في بدايته، كما أشار بعض الحضور من جمهور متنوع الأذواق بين التخصص والهواية، بينما كانت هناك إشادة بفكرة العرض نفسه وعنوانه ومواضيعه أو تفاصيله الجارية في حالات شبيهة.
واشتمل العرض على مزج للكوميديا السوداء ودواخل الذات ومكنونها وتنويع للفقرات، لتوصيل رسالة العمل الذي لقي احتراماً في قناعة المشتغلين بالمسرح بأنّ الجمهور هم شركاء حقيقيّون في أيّ عرض، ولهم أن يلتقطوا أفكاره، ويكونوا جزءاً منه دون حواجز أو حدود.