محمد عبدالسميع (الشارقة)
قدّم الملتقى الفكري المصاحب للدورة الـ (33) من «أيام الشارقة المسرحية»، الذي جاء تحت عنوان «الإخراج المسرحي بين الأثر والتأثر»، في يومه الأول، حزمة أطروحات عن الحدود بين ما يُبدع وما يُتّبع في الإخراج المسرحي، وأسئلة الهويَّة والإبداعيَّة وظلال التأثير والتأثر في عالم تقاربت فيه المسافات بين البلدان والثقافات.
شهدت الجلسة، التي أدارها الفنان الإماراتي فيصل الدرمكي، عمقاً في الرؤى، وأثرتها أوراق أربعة باحثين بمقرّ إقامة الضيوف.
في ورقته «أي أثر للمخرج المسرحي في عروض الألفيَّة الثالثة؟»، استعرض كمال خلادي (المغرب)، عروض المخرج في الألفيَّة الثالثة، وربطها بأربع نقاط تأسيسيَّة تتصل بتحويل النص إلى العرض، وطرائق العمل.
ولفت خلادي إلى أنّ المسألة موصولة بالفكرة الإبداعيَّة للمخرج، والعمل التشاركي لأعضاء الفريق، مقدّراً أنّ الإشكال يستدعي نقداً دائباً، وخلخلة الموجود، طالما أنّ الأمر يتعلق بـ «مسرح الممكن لا المسرح الكائن».
وركّز خلادي على أهميَّة التدريب المسرحي الذي يفعل الكثير، فهو الذي يكثف الفكرة المسرحيَّة العميقة، وينتقل من الانقلاب الهوياتي إلى تدبير علاقات السلطة في كينونة العمل، ما يفرض على المخرج المزج بين التدبير والهشاشة، وعدم الهروب من اللا يقين. وانتهى خلادي إلى انتقاد تغييب الدراماتورج عربياً، مع أنّه يلعب دوراً فارقاً في التعدّد والاختلاف، ومحاورة المعاني الموجودة، والانتصار لمعنى المسرح الكبير: كيف نكون معاً؟
مساحات رحبة
وفي ورقته «الإخراج المسرحي بين الهويَّة الذاتيَّة وعوامل الانزياح في السيرة المهنيَّة»، رأى هشام كفارنة (سوريا)، أنّ المهرجانات المسرحيَّة في كثير من البلاد العربيَّة تشكّل مساحات رحبة للقاء الفنانين العرب، وفضاءً صحياً واسعاً للتعارف، عبر تقديم تجاربهم وتبادل الخبرات، لكنه أشار إلى التأثيرات السلبيَّة التي تتركها أحياناً عروض المهرجانات، ونتائج المسابقات فيها، على مفاهيم وفكر بعض المخرجين، الذين يستسلم بعضهم بشكل لافت إلى ما تتوصل إليه وتقرّه لجان التحكيم.
وخلُص كفارنة إلى ضرورة أن يظل المخرج مؤمناً بذاته، واثقاً بنفسه، راعياً محصناً ضد كل ما يمكن أن يعوق حركته إلى الأمام، متعاوناً مع أسرة العرض من ممثلين ومساعدين وفنيين، وأن تكون علاقته بهم معتمدةً التبادل الإبداعي.
المخرج المسرحي
في ورقته «المخرج المسرحي.. بين الإبداعيَّة والاحترافيَّة والمحاكاة، قراءة في راهن المشهد العربي»، طرح الباحث والمخرج سيف فرشيشي (تونس)، تطور مسار الإخراج تاريخياً، وغياب أي تكوين مستقل للإخراج بذاته في فرنسا، مشيراً إلى أنّ تهميش الإخراج يعود إلى ألفي سنة بعد ميلاد المسرح الغربي، وما لفّ ثورات الآلة والتكنولوجيا والرقمنة.
وتطرّق الحبيب سوالمي (الجزائر) إلى مفهوم التجريب في الممارسة الإخراجيَّة، وارتساماتها في الحالة الجزائريَّة، بالاتكاء على التيارات الإخراجيَّة العالميَّة، والنتائج الفنيَّة والفكريَّة التي ترتبت عنه في الممارسة المسرحيَّة المعاصرة.
وفي ورقته «التجريب في الإخراج المسرحي بين التأثير والتأثر.. دراسة في التجربة الجزائريَّة»، تناول سوالمي تجربة مواطنه الراحل عبد القادر ولد عبد الرحمن (كاكي) الذي أخذ على عاتقه التجديد على مستوى النص المسرحي، واعتمد على مفهوم التراث لإحياء الهويَّة الجزائريَّة.
وانتقل سوالمي إلى ما يطبع المشهد المسرحي في بلاده حديثاً، من التجريب، والخروج عن المفهوم الدرامي للمسرح، والدخول في تجربة ما بعد الدراما، والاعتماد على الصورة المشهديَّة بدل الصورة الحواريَّة.