محمد نجيم (الرباط)
في معرضه المنظم بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، يأخذنا الكاتب والشاعر والمترجم المغربي عبداللطيف اللعبي في جولة لنتعرف من خلالها على لوحات أبدعها خلال إقامته في غربته الطويلة بفرنسا، وفيها تتبدى فلسفته ورؤيته الجمالية للعالم وللأشياء بأبعادٍ دلالية وانسجام شاعري بين الألوان التي يغلب عليها الأسود والبني الغامق، في إشارة إلى تصدع الذات والتعبير عن عالمٍ متغير متآكل ومتشظٍّ وسريع التحول، وهذا هو المنجز البصري للشاعر عبداللطيف اللعبي الذي أغنى المشهد الأدبي العربي والفرانكفوني بأعمال أدبية رائدة، تعكس تصوره للواقع المعاصر سريع التحول، على نحو يعكس ما قد تحمله الذات من انكسارات وما يثقل ذات المبدع من مفاهيم وأفكار ورؤى يطرحها، تشكيلياً، بعدد من الإشارات التي تحمل الانطباعات الجمالية لتمنح المتلقي مضامين جمالية ومعاني فلسفية معاصرة.
وفي معرض «شاعر يمر»، يمكننا التعرف على الجوانب والوجوه المتعددة للمؤلف الشاعر، الناشر، المترجم، والرسام، حيث يقدم مجموعة متنوعة من المنشورات الأدبية والوثائق الأرشيفية، واللوحات والفيديوهات التي تبرز العالم المتعدد والمتنوع للفنان/ الكاتب.
ويكشف هذا المعرض عن إبداع فترة زمنية طبعت تاريخ المغرب الثقافي، وهو أيضاً دعوة لاكتشاف التجربة الفنية الثرية لعبد اللطيف اللعبي. وفي حديثه خلال افتتاح المعرض، قال اللعبي: «إن المعرض يحكي قصة الحركية الثقافية متعددة الأبعاد التي غيّرت وجه الساحة الأدبية المغربية، بالإضافة إلى تجارب الشخصيات التي شاركت في هذه الحركية»، مشيراً إلى أن المعرض يشكّل أيضاً صلة وصل بين تجربته الشخصية وتجربة مجلة «أنفاس» التي تأسست سنة 1966 ومكّنت من الإسهام في خدمة المشهد الثقافي، واستطاعت تلبية الحاجيات الثقافية في تلك المرحلة.
وحول اختيار عنوان «شاعر يمر»، لمعرضه قال اللعبي لـ«الاتحاد» إنه أراد من خلاله أن يعبر عن المزج بين تجربة الرواية والشعر والفنّ التشكيلي التي عاشها بكامل جوارحه، مؤكداً أنه يأبى إلا أن يترك بصمة فريدة وخالدة على الرغم من قصر فترة مروره في الحياة بالنسبة للتاريخ البشري.
وفي مقالته الواردة في كتيب المعرض «قصتي مع الرسم»، قال عبداللطيف اللعبي: «لقد سبق لي أن كتبتُ أن الإنسان لا يتوقف عن أن يُوَلِّدَ نفسه بنفسه. وشيئاً فشيئاً يكتشف ذاتَه المختلفة والأوجُه المتعددة للُغزِه الخاص… هذا الوجه أو ذاك من لُغزنا الذي لم تكن لنا به دراية من قبل. وهذا ما حدث لي مع عوالم التشكيل، منذ قرابة نصف قرن».
ويضيف: «عايشتُ الكثير من الرسامين، شاهدتهم أثناء عملهم، تأمّلتُ طريقة اشتغالهم وكتبتُ أحياناً عن أعمال هذا الفنان أو ذاك. لقد أضحى فنّ الرسم مألوفاً وحميمياً لديّ كما هو الحال مع الشّعر، إلى أن جاء اليوم الذي وجدتُ فيه نفسي، من دون أن أدري لماذا، أخربش على بياض ورقة عادية أوّلَ رسمٍ لي. وانتقلتُ بعدها رأساً إلى ورق الرسم ثم نحو فضاء اللوحة، في وقت وجيز جداً. وبدأتُ أرسم كلّما أمكنني ذلك.. لعلها طاقة مجهولة كانت تندسّ في دواخلي فتنبَجِسُ منها مُتحَكّمة في نوع من التعبير جديدٍ أستغني فيه عن رُفقتي القديمة، أي الكلمات. إنّها يدي التي صارت تأخذ زمام الأمور، يحرّكها الجسد المتوتر كقوس. هكذا كانت كيمياء الألوان تحُلّ مَحلّ كيمياء اللغة».