سعد عبد الراضي (أبوظبي)
قدم جاليري عائشة العبّار، عرضاَ فنياً أدائياً للفنان عبد الرحيم سالم والذي حمل عنوان «ملحمة مهيرة» بتقييم فني من المؤرخة والقيمة الفنية الدكتورة نهى فران، ويتمحور العرض حول أسطورة مهيرة، حيث قام الفنان بتجسيدها على جدارية ضخمة بطول 4 أمتار، مقدماً تصوّراً لرحلة مهيرة المأساوية. استكشف فيها صراع الإنسان مع الظروف القاهرة. يبرز هذا الأداء الارتباط الوثيق بين عبد الرحيم سالم وموروثه الثقافي الإماراتي.
«الاتحاد» تستعرض في هذه السطور شهادات بعض الفنانين عن هذا العرض الأدائي.
في البداية، قالت الدكتورة نهى فران، القيمة الفنية للعرض الأدائي الذي عرض ليوم واحد تحضر ثلاثية الزمان والمكان والحدث في عرض فني أدائي للفنان عبد الرحيم سالم. يجسد خلاله «مهيرة»، وهي حكاية شعبية من الموروث الثقافي الإماراتي الذي يعد مصدراً ملهماً للفنان. ويُعَد هذا الأداء بمثابة شهادة على ارتباط سالم الوثيق بـ «مهيرة»، ويمثل ذروة تطور مراحله الفنية، لكثرة ما سكنت تلك المرأة الأسطورة أعماله الفنية، ولكثرة ما رصد تحولاتها عبر الزمن، كأنها الشاهد على فكره وهواجسه وطفولته وحكاياته، فمهيرة الحاضرة دوماً أصبحت جزءاً لا يتجزأ من فكره وفنه وإرهاصاته.
وقالت الفنانة الدكتورة نجاة مكي: محطات كثيرة جمعتني بالفنان عبد الرحيم سالم، سواء في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية منذ بداية التأسيس، أو في لجان التحكيم أو في الملتقيات الفنية، وأضافت: رافقته مهيرة في مسيرته، وقدمها في صور رمزية عدة، من خلال إيقاع الخطوط والظلال والألوان بجمالية فنية تمتزج فيه الحقيقة مع الخيال، ليصور لنا أبعاداً عميقة في النفس الإنسانية، والتي تهدف إلى معانٍ قد يجد المتأمل فيها مضموناً يهدف إلى جوانب أخرى من عالم «مهيرة» الغامض بعيد الأعماق في الطبيعة الإنسانية... نستمتع معه مع محطة فنية حية بحضور سيدة البهاء «مهيرة».
مونودراما بصرية
وقال الدكتور عمر عبد العزيز: في هذا العرض الأدائي المميز، يباشر الفنان عبد الرحيم سالم سردنة بصرية للسيرة الشعبية للفتاة «مهيرة» التي مثلت نموذجاً ميثولوجياً لسير النساء في فترة تاريخية سابقة، لكن السيرة ليست منبتة عن الواقع، بل كانت في صميم التراجيديا الإنسانية الواقعية آنئذ، الأمر الذي يتواصل حضوراً بكيفيات متعددة؛ لأن مهيرة المحبوبة من طرف واحد لا طاقة لها على افتعال عاطفة وجدانية لا تنبع من جوانياتها، وهي بهذا المعنى تجد نفسها في حالة منازلة غير متكافئة مع الوسط المحيط، الأمر الذي يتماهى مع عوالم اللاشعور ومحنة النسق المضمر في الذات الإنسانية.
وأضاف: يعبر الفنان عبد الرحيم سالم عن هذه الدراما الإنسانية التي تنتهي باحتراق الضحية، مراهناً على شكل من أشكال المونودراما البصرية التلقائية التي كثيراً ما وسمت تجربته الفنية الزاهية.
تجربة فارقة
أما الفنان إسماعيل الرفاعي، فقال: لا شك في أن تجربة الفنان عبد الرحيم سالم، هي تجربة فارقة في المشهد الفني الراهن في المنطقة، فالفن لديه وفق ما أراه، هو تجربة حياة أولاً وأخيراً، فلطالما كان لصيقاً بوسيطه الفني كأداة تكشف عمّا يدور في داخله، وعمّا تحفل به مخيلته.. ولطالما كانت السرديات المتأصلة في الوجدان الجماعي لبيئته، متأصلة في نتاجه الإبداعي، ابتداءً من حكاية «مهيرة» التي تكشفت عبرها الكثير من الأبعاد والدلالات النفسية والاجتماعية والجمالية، والتي شكلت أحد الأركان الرئيسية التي انبتت عليها سيرته الفنية والتي استطاع أن يولّد منها سلسلة من الأعمال الساحرة التي خلقت بدورها سردية جمالية خالصة.
بصمة واضحة ومؤثرة
يعد عبد الرحيم سالم أحد روّاد الفن المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأكثرهم حيويّةً وإنتاجاً، وهو من مؤسسي الحركة الفنية وله بصمة واضحة ومؤثرة على تطور المشهد الفني، بالإضافة إلى عديد الإسهامات في حقل التعليم والتربية الفنية ونشر الثقافة البصرية، وهو من مؤسسي جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، والمراسم الفنية، ومجلة التشكيل. وكان قد تخرّج في جامعة القاهرة حاصلاً على بكالوريوس فنون جميلة تخصص نحت عام 1981. اعتمد سالم في بداياته على قلم الرصاص والباستيل والفحم، وبعدها أتت مرحلة الكولاج ومرحلة الأكريليك، وتنوع أسلوبه الفني بتعدد مراحله الفنية، من النحت إلى الرسم والتشخيص، لينتقل بعدها إلى التعبيرية التجريدية، والرمزية، والتجريد الهندسي والغنائي.