الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تجليات الضوء وخيوط الثقافات

من معروضات مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية (من المصدر)
18 يناير 2024 00:57

محمد عبدالسميع

تحت عنوان «تجليات»، جاءت الدورة 25 من مهرجان الشارقة للفنون الإسلامية بحصيلة مميزة هذا العام من المشاركات المحلية والعربية والأجنبية، وبحضور لتجارب فنية وصلت العالمية، من خلال المعالجات والتقنيات والشهرة المكتسبة.
وبالشغف ذاته الذي ينتظره جمهور الفن، في كل دورة من دورات المهرجان، أطلت هذه الدورة وفي جعبتها مفاجآت العالم الإبداعية، ليكون الزائر والفنان والمهتمّ أمام بانوراما نوعيّة ورائعة من الأعمال والتجهيزات الفنية التي تُعرض في الشارقة وعدد من مدنها، في خورفكان وكلباء طيلة 40 يوماً من الحراك الفني الثقافي لهذه الأعمال التي تتاح في صالات عرض المؤسسات الفنية المتخصصة بالشارقة، وفي أماكن أخرى ذات علاقة، ليتنقل الحضور بصريًّا في تجارب متنوعة في النحت والرسم والزخرفة والخطّ العربي وغير ذلك من الفنون.
ويُلاحظ في هذه الدورة أنّ تأثّراً واضحاً لرواد ومبدعي الأعمال المشاركة الأجانب، بمعطيات الفن الإسلامي واستلهامه بأساليب ثريّة تنمّ عن إعجاب الفنان الآسيوي والأوروبي والأميركي بهذه المعطيات والرؤى والتقاليد والأنماط التي لا تمنع من التجديد والبناء على السائد، وذلك ما نراه أيضًا في أعمال عدد من الشباب الخليجي والعربي المشارك في هذا المهرجان.
وتترك الأعمال المشاركة أثرًا جماليًّا وبصريًّا وأفكارًا لدى الزائر، بغضّ النظر عن ثقافته وتخصصه، انطلاقاً من فلسفة الأعمال التي تفهم في سياقات مختلفة وتؤدي غرضًا ورسالةً حرص عليها فنانو العالم، بحركات جمالية وفلسفيّة أتاحتها لهم فكرة المهرجان لهذا العام، «تجليات».

المواد والمكوّنات
وعلى مستوى المواد المستخدمة، فقد تنوعت مواد ومكونات الأعمال ما بين البسيط والمركب، وتصاميم الهندسة، واستلهام الأفكار السريعة واللافتة، حتى من أبسط الأدوات المعبرة عن علاقة الإنسان بربه، مثل مادّة «الخرز»، كما استُخدمت موادّ أخرى، مثل أحجار الشطرنج، لبثّ فلسفة فنيّة متضمّنة، وبعضها كان زخرفيًّا، ومنها ما ذهب إلى الأقواس والمعادن، والكرات، واللآلئ، وموادّ النول والسدو والخيوط، والمرايا، والسجاد، والمطرزات والقماش، وفكرة المشربيات القديمة، والبوابات المعدنية، وغير ذلك.
أما على مستوى الضيوف والدول المشاركة، فكان الفنان الإماراتي والخليجي والعربي والآسيوي والأوروبي والأميركي، حاضرًا، وكان ثمة حضور واضح للخبرات العربية والخليجية التي أخذت من التجربة الغربية في الإبداع والتجديد والانفتاح على طاقات جديدة من المعالجات والتقنيات الفنية.
وبالطبع، فكان لحضور وإبداع الفنان الإماراتي، وخاصه الشباب، إسهامٌ في التركيز على طاقة هؤلاء الشباب ورؤيتهم واستلهامهم بيئتهم ومحيطهم العربي والإسلامي لإبداع الأعمال، كما كانوا على رؤى ثقافية لافتة، فيما يتعلق باحترامهم المكان والشجر والحجر والبيئات الإماراتية والعربية والإنسانيّة ومعطياتها، بما تتضمنه من قيم عربية إسلاميه ماثلة في النفوس.

المفهوم والتجديد
وفي قراءة لهذه الأعمال لوحظ أنها تستند في عدد منها إلى مبادئ الهندسة الإسلامية الكلاسيكية، في شكل «الدائرة»، مثلاً، واللولبيات المذهبة، ومنها ما يجسد مفهوم العتبات كعنوان للبداية اللانهائية، في ربط واضح بين الجسد والعقل، كما في استخدام «سبحات» الصلاة، كقيمة دينية ومتوارثة.
واتكأ بعض هذه الأعمال على مفهوم اللانهائية والتجليات وجمالية اللون، ما يذكّرنا بالمشربيات العتيقة، وذلك باستثمار «الجندي» على سبيل المثال، في لعبة الشطرنج، من خلال التركيز على روح هذا الجندي، كروح إنسانيّة قويّة.
وعمدت بعض الأعمال إلى الاشتغال على البساطة المعقدة، والتأمل الدقيق، من خلال الألوان الزيتية على القماش، في حين عالجت بعض الأعمال التشكيلات والأنماط الزخرفية، بحسب الثقافات والقارات التي تنتمي إليها هذه الأعمال.
وكان لابدّ للضوء بفلسفته القديمة والمتجددة، من أن يحضر عبر قوه الأفكار والاستخدامات الفنية للنول وخيوط الصوف والحديد، أما الهوية، فكانت تحمل معنى العمق ومصاحبة «المكان» على المستوى البصري، لتكون متاهة المرايا مشتملةً على مواضيع «الذِّكْر» وتداعيات الرحلة الداخلية المرتبطة به. وقرأ بعض الفنانين فلسفة «البصمة» التي تحدد الهوية، من خلال اشتغالهم على «الإصبع» واتخاذ هذه البصمة سِمَهً فيزيائية وبيولوجية لتحديد الهوية، ومن ثم قراءة الطاقة الداخلية للإنسان من خلال شعاع الضوء، بالاتصال مع الكون عن طريق العبادة الدينية والأنشطة التأملية التي تنير العقل والروح.
كما حضرت المنسوجات للتعبير عن تماسك الأسرة والحياة، أما الحدود، فكانت في بعض الأعمال تصوّر الزمان والمكان لتجميع المعنى وتجسيده ضمن أنماط مختلفة.
وفي أعمال المهرجان، برزت محاكاة الوجود وفلسفة الوقوف للصلاة والاتصال مع الذات والشعور بالحرية والتوازن والتواصل مع الكون، كما استثمر الفنانون أيضاً اللآلئ والخيوط الشفافة، كتمثيل مرئي لنقاء ووضوح الفكر والنيّة المطلوبة نحو «التجليات»، كعنوان للمهرجان، بما تحمله من فوائد للتأمل والدلالات الروحية.

سجادة الثقافات
أما «السِّجاد»، فكان يظهر بكل رونقهِ، من خلال الاندماج المثير له في الأعمال، لقراءة تعقيدات التوليف الثقافي والتحول المادي. وبرز أيضًا في الأعمال المشاركة العدد «99»، في قراءة للزمن وضعف الإنسان أيضاً، والتفكير بالإنسانيات المشتركة. كما تمدّد هذا الزمن في أعمال أخرى، عن طريق استثمار ما يرمز إليه الضوء من ظهور للمعرفة والنور والتجلي والوضوح الكامن في نسيج الفنون الإسلامية.
ونظرًا لأهمية «النور» في الفن الإسلامي، فقد اتخذه فنانون رمزًا قويًّا من رموز البحث عن الحكمة والسموّ، كعمل فلسفي قديم، لتحضر الزخارف أيضًا في رحلة روحيه استبطانية في بعض التجهيزات الفنية، لقراءه عنصري الزمان والمكان والهوية المتجذرة.
ومن جديد، حضرت «السجادة»، وهذه المرة لتتزين بصورة بورتريه، بالتشابك مع الزخارف القديمة، ما يعكس تنوّع الثقافات البشرية وتجانسها. وفي أعمال خليجية، كانت «خلية النحل» حاضرةً لتحمل معنى النمو والتفكير المماثل حول هدف مشترك، مع ربط ذكي بين ذلك وخلية العصر الرقمي الذي نعيش واجتمع عليه بنو البشر بامتياز.
ولم يكن الدعاء بعيداً عن تمثلات الأعمال بالطبع، خصوصًا وهو المتمثّل بحركات اليد وفق معالجات فنية للسائل بين الأصابع، وتجليات رمزية الزمن. وتم استثمار بلاط المساجد وجدرانها، في تأكيد لروعة العمارة الإسلامية والزخارف المعمارية في مساجد آسيويّة ومساجد إماراتية، من خلال أعمال اعتمدت التطريز.
وظهر عنصر التصميم واضحًا في الأعمال الفنية، من خلال استثمار عملية التفاعل بين هندسة جذع النخيل والنسيج اليدوي المعقّد للسعف، في بيانٍ لأهمية هذه الشجرة وهيبتها، كما حضر القماش الأبيض في بعض الأعمال الخليجية، كمدارات مقدَّسة بانعكاسات لافتة خلال التطريز، كما في انعكاس ظلال التطريز.

مهابة الخطّ
بالتأكيد، لم يكن الخط العربي غائبًا، بل كان من صميم الأعمال، حيث مشاركة مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، وتجليات الآيات القرآنية وجمالية الخطوط وتنوعها، وجمال معناها، وكتابه الآيات بروايات متعددة عبر مشاركات لفنانين من بلدان عديدة. ولذلك حضرت جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة الإماراتية، في أعمال أظهرت جمالية «كسوة الكعبة المشرفة»، كمهابة وإبهار. وفي الخط يحضر أيضًا متحف الشارقة للخط والحرفيات وهدوء وروعة الحرف وفق أنواع الخطوط المستخدمة في أعمال حملت المرجعية التراثية في ذلك.
كما حضر خطاطون عرب احتفت بهم الشارقة وقدمت أعمالهم في المهرجان، إضافةً إلى رؤية المهرجان في إبراز الخط العربي في التذهيب الكلاسيكي والتذهيب الحديث، بما يحمل ذلك من تطوير وإضافات جمالية وفتح أبواب جديدة للإبداع. وفي الخط العربي، حضرت المدارس الفنية الآسيوية، وتحديدًا المدرسة التركية، إضافةً إلى فنون الخطاطين الخليجيين والإماراتيين والعرب.
ومن ضمن تجليات المكان لاحتضان الأعمال، يحضر مدرج خورفكان«يداً بيد مع الشارقة»، في فلسفة وروعة أعمال تحمل معنى الظلال والمصباح في الليل والنهار، طيلة المهرجان.
وهكذا، ثمة تجليات فنيّة واتجاهات فلسفيّة، ورؤى إبداعيّة، وتبادلات ثقافيّة إعلاميّة، من خلال مهرجان الشارقة للفنون الإسلاميّة، وخبرته الطويلة في التقاء الثقافات وتحاورها، وهذه المرّة من خلال الفنّ.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©