سعد عبد الراضي
بعشق حقيقي ينبع من إحساس عميق بقيمة الفن، وبعلاقة وطيدة بينه والخط العربي، يتحدث الفنان الإماراتي محمد مندي، عن تجربته الثرية مع فن الخط العربي، عن هذا الوهج والتوهج اللذين يؤطران مسيرته الطويلة مع فن عريق عراقة لغة الضاد، وثراء فنونها وتجلياتها. وفي حديثه لـ «الاتحاد الثقافي» يضيء الفنان مندي على كل هذه الأبعاد التي صنعت اسمه، وتميزه، وجعلته واحداً من أبرز فناني الخط العربي.
*بداية حدثنا عن تأسيس «بيت الخط» في المجمع الثقافي، وأهميته في إثراء المشهد الثقافي في الإمارات.
- بيت الخط، لم يكن موجوداً قبل أربع سنوات، حيث كان فن الخط تابعاً للمرسم الحر بالمجمع الثقافي، فكنا نعطي دروس الخط في المرسم، ولكن شعرت أن الخط يستحق أن يكون له بيت منفصل، فقد كان قديماً هو الأساس في كل مكان. صحيح أن الخط حروفه توحي بأشكال فنية كثيرة، كالطيور والحيوانات والناس والفواكه، لكن أقلامه تختلف، وله قواعد ونقاط ومسافات تخصه، وعموماً فنحن لدينا قسم خاص بالزخرفة الإسلامية، ويتدرب فيه أشخاص من جاليات أجنبية، ويوجد لدينا الآن نوعان من الاشتراك، الأول، ورشة لحصة واحدة، والثاني، ورشة لأربع حصص، أربع مرات في الشهر.
تشكيل البدايات
* عودة إلى بدايات تجربتك، كيف تشكلت موهبتك، وكيف ترى نفسك الآن؟
- بدأت حياتي بالرسم، دون أن يعلمني أحد، كنت أرى الأحياء، الغروب، والشروق، والطيور، فأرسم كل شيء، وعندما درست الخط العربي نصحني أستاذي الفنان البحريني عبدالله المحرقي، بأن أدمج بين الاثنين فدمجت، كما كان من أستاذتي الخطاط والشاعر سيد إبراهيم (1897م – 1994م)، حيث تعلمت منه في مرحلة دبلوم الخط، وكذلك الخطاط التركي حسن جلبي الذي ارتبطت به في فترة حصولي على الإجازة من تركيا، وسافرت إلى مصر عام 1975، وكانت الدراسة وقتها ست سنوات، أربع سنوات للدراسة، وسنتان للتخصص، فدخلت مسابقة مع طلاب من مصر وسوريا وفلسطين والكويت والبحرين والجزائر وموريتانيا، فكانت نتيجة المسابقة أن انتقلت للصف الثالث مباشرة، وقالوا لي: أنت تحتاج إلى قواعد فخطك جميل، ومازلت أحتفظ بأوراق ودفاتر دراستي في مصر منذ 45 عاماً. أما بخصوص رؤيتي لنفسي فأنا أخط منذ خمسين عاماً، ومازلت أشعر أنني في الروضة، وأحتاج إلى تعلم الجديد. وفن الخط يحتاج دائماً إلى ثلاثة أشياء مهمة هي: الحب، والصبر، والاستمرارية.
* ماذا عن مشروع تدريس الخط في المدارس؟
- عند افتتاح بيت الخط، وعملاً بتوجيهات القيادة الرشيدة بالاهتمام بالأطفال والجيل الجديد وصقل مواهبهم، سعينا بأن تكون هناك حلقة وصل بين الدائرة ووزارة التربية والتعليم، لتكون هناك دروس خاصة من خلال حصة أسبوعية، حيث تختار كل مدرسة مثلاً 15 موهبة، ونحن نوفر لهم المعلم والأدوات، على أن يشمل الاختيار جميع الفئات العمرية، من الثالث الابتدائي إلى الإعدادي والثانوي والجامعة، وحالياً هم يزوروننا لنعرفهم فيها إلى بيت الخط، ونتمنى أن تتطور العلاقة بين بيت الخط والمدارس، ولا تقتصر فقط على الزيارات التعريفية، ونحن هنا في بيت الخط نحافظ على أصول الكتابة، وعلى الطريقة القديمة فالطالب يتعلم الأصول بالقصب والقواعد، وبعد ذلك يبحر في الحروف، وبالمناسبة نحن ننادي بتعلم الصغار، وفي الوقت نفسه لامانع من تعلم الكبار، فأنا أعرف خطاطين في مصر بدؤوا في سن الأربعين، ولكن أسعى دائماً إلى الجيل الجديد من خلال المدارس، ويمكن بعد أربع سنوات أن يكون لدينا 200 خطاط متميز.
سر التميز
* ما هي الملامح الفنية التي تميز خطاطاً عن آخر؟
- المشكلة أنه لا يوجد لدينا تحديد مستوى ما، وذلك بشكل عام في كل الدول العربية، خصوصاً مع ظهور التقنيات الجديدة، بمعنى أن أي شخص الآن يمسك القلم ويكتب، ويدخل حروف في اللوحة يعتبر خطاطاً، ولم يسأله أحد ماهي مدرستك، وأستاذك، فبعضهم بين ليلة وضحاها يصبح خطاطاً، وذلك عن طريق الكمبيوتر وبرامجه، وفي رأيي أن الكمبيوتر مثل الوجبات السريعة، أمنحه مالاً بشراء برامج، ويعطيني وجبة خطية، وهنا سؤال مهم، هل الخطوط التي نفذها على الكمبيوتر خطه؟، بالطبع لا لأنه لم يمسك بالقلم، والغريب أنه يوقع تحت هذه الرسمة أنها له. وللأسف وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة عززت من هؤلاء ولكن المتخصص يقول له هذا ليس خطك. نحن نعيش في عصر لا يعرف الناس فيه أنواع الخطوط، وإذا عرفوا فيعرفون اسمه فقط، قديماً كان الناس يعرفون أنواع الخطوط، يعرفون الخط الجميل من الخط الضعيف.