ساسي جبيل (تونس)
فاز الشاعر والأكاديمي التونسي الدكتور المنصف الوهايبي بجائزة الشارقة لنقد الشعر العربي في دورتها الثالثة للعام 2023، التي ستسلم في يناير المقبل بمناسبة مهرجان الشعر العربي بالشارقة، وحصد الوهايبي الجائزة بدراسة تحت عنوان «بنية الخطاب الشعري في الشعرية العربية المعاصرة»، وفي حديثه إلى (الاتحاد) قال إن الجائزة تأتي في سياق العناية بالشعر العربي، وتحفيزاً لطاقات النقاد والمهتمين بالدراسات الموجهة نحو التجربة الشعرية، خدمة للساحة الإبداعية العربية، وتعنى الجائزة بحقل النقد الأدبي الموجَه للشعر العربي وتفتح الآفاق أمام النقاد العرب للبحث بما يخدم ساحة الإبداع العربي. وتؤكد على الدور الريادي الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة في المشهد الثقافي العربي، وهي التي تحقق إشعاعاً ثقافياً غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، مما يؤكد علو كعبها الثقافي وتعدد إنجازاتها وتنوع جوائزها المحفزة على الفعل الثقافي والإبداعي الجاد والمحقق للإضافة.
وأضاف الأكاديمي التونسي الحاصل على جائزة الشيح زايد للكتاب فرع الآداب العام 2020: أقدّر أنّ النقد عندنا غاب أو يكاد، وقد حلّ محلّه البحث الجامعي الأكاديمي. وشتّان بينهما، فالنقد عمل فرديّ ورؤية واختيار، وخبرة وتمرّس أو مراس؛ وهو من ثمّة سلطة، وأمّا البحث فعمل يشارك فيه الطالب الباحث والأستاذ المشرف؛ وهو يعدّ للجنة علميّة، وليس للجمهور أو للقرّاء عامّة. وبإمكان أيّ طالب أن يكون باحثاً، لكن ليس بميسوره أن يكون ناقداً؛ بالمعنى الذي ذكرته.
ومشكلة الشعر العربي اليوم، أنّ الذين «يُعنون» به هم من الباحثين الذين تتفاوت بحوثهم من حيث القيمة والإضافة، وليسوا من النقّاد. ومن هذا المنظور تستمدّ جائزة الشارقة لنقد الشعر قيمتها، فهي تعيد الاعتبار للنقد الذي يكاد يختفي في ثقافتنا. لذا حاولت في بحثي الفائز بجائزة الشارقة أن أبحث في بنية الخطاب الشعري في الشعريّة العربية المعاصرة، من منظور الناقد لا الباحث الجامعي أو الأكاديمي، وطرحت القضايا الشائكة التي تتعلّق بالإيقاع والصورة واللغة عند شعراء مغاربة ومشارقة؛ وخاصّة الشعر في علاقته بالحياة! أي تلك التي تقولها مثلما يقول الرّسم ذلك وتقولها مثلما يقول السّردُ. ولا أحبّ بهذا أن أقول إنّ القصيدة لوحة تشكيليّة؛ وإنّما فيها من مقتضيات التّشكيل البصريّ وإن بتمثّل لغويّ؛ فاللّوحة هي أيضا تكثيف، وربّما تكون حتّى أكثر تكثيفاً من القصيدة فمهما اتّسعت مساحة القماشة فإنّها محدودة فلا تفلت من الحقل البصريّ، لكنّها جزئيات وتفاصيل، بل وأشياء مبتذلة قد لا ننتبه إليها في معهود سلوكنا اليوميّ. لأقل إنّ الشعر يسترجع مجده، عندما يطعّم اللغة ويغنيها، ولا يسترضي الجمهور أو يمالقه.
الذات الكاتبة
ويضيف الوهايبي: إنّ المشكل في كثير من الشعر اليوم، هو غياب الذات الكاتبة؛ وكأنْ لا حياة لمن يكتب، بل لا أثر؛ حتى تشابهت النصوص، وكأنّ شعراءنا يكتبون بأصابع واحدة. بل ينسون أنّ مجال الشعريّة ليس اللغة، وإنّما الكلام وهو عمل الفرد ومنجزه؛ وطريقته في استجلاب المعاني الحافّة هي التي يتصرّف المجاز بمقتضاها. وهي التي تحدّ مقبوليّة النصّ من عدمها. وليس أدلّ على ذلك قديما من عبارتهم المأثورة «استعارة صحيحة» و«استعارة حسنة» و«استعارة رديئة» و«استعارة قبيحة» و«استعارة قريبة المأخذ» و«استعارة بعيدة المأخذ». فالخلاف في هذه الأحكام إنّما مردّه إلى هذه المعاني الحافّة التي تغْتذي من التّجارب الفرديّة الخاصّة والتّجارب الجماعيّة العامّة، حيث يكون للكلمة وقع عند بعض، هو غيره عند بعض. وقد يرجع الشعر إلى معان حافّة خاصّة به أو إلى «فضل معنى» في المقول، قد يتقبّله قارئ، وقد يشيح عنه آخر.