سعد عبد الراضي (العين)
ضمن فعاليات النسخة الـ15 من «فن أبوظبي» أقيم في قلعة الجاهلي بمدينة العين معرض «القطع الأثرية للحظات الراهنة»، ويعد المعرض عملاً فنياً مستفيضاً ومتعدد المستويات للفنانة والشاعرة والمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، التي تم تكليفها به من قبل «فن أبوظبي» لعرضه في أحد المواقع الثقافية في مدينة العين ضمن برنامجه لهذا العام.
ويتألف العمل من سبع غرف تُعرض في قلعة الجاهلي. وهو يقدم أشكالاً فنية مختلفة تتمحور في جلها حول الخزف كمادة رئيسة لترجمة الموضوع الرئيس للتركيب وهو «اللحظة الراهنة»، وتُسلط الأعمال المعروضة الضوء على ممارسة الفنانة المعروفة باهتماماتها المتعددة التي تشمل الشعر، والرسم، والإنتاج السمعي، والأفلام، والنحت.
سرد شفيف
وتشتهر الغانم بنهجها في السرد القصصي، وفي هذه التجربة بالذات تخلق سرداً شفيفاً لزوار قلعة الجاهلي يعتمد على المواد والأدوات المختلفة التي اعتمدتها بشكل متوازٍ مع الموضوعات التي كانت تستكشفها خلال الأشهر الستة الماضية، ولاسيما فيما يتعلق بزياراتها المتعددة إلى واحة العين بهدف تقديم تجربة عميقة لزوار القلعة، إذ إنها تدعوهم إلى الدخول في حوار يتماس مع الأفكار التي يعرضها كل قسم من أقسام العمل التركيبي.
وتعتمد الغانم على إنتاج قطع نحتية مماثلة لتلك التي تم اكتشافها في المواقع الأثرية بهدف وضعها ضمن سياق تاريخي جديد خاص بهذه المنطقة واللحظة التاريخية الحالية. غير أنها تضفي لمسة معاصرة عليها، وتستخدم خيارات جمالية تعتمد على حياكة قطع الخزف مع الأسلاك الصناعية واستخدام أنواع مختلفة من الطين، والتزجيج، والأكاسيد، والشمع لتعكس المواد المستخدمة في الوقت الحاضر.
وتعود بداية هذا المشروع إلى عدة سنوات مضت، عندما كثفت الغانم جهودها خلال جائحة كورونا لصناعة أولى هذه الأعمال. وكانت قد اعتبَرتْ فترة العزل لحظة تاريخية محورية وفرصة للبشرية لإعادة التواصل مع الطبيعة والذات الداخلية.
وتؤكد الغانم أن الفنانين قادرون على بناء واقع بديل من شأنه أن يجعل العالم أكثر احتمالاً.
وعن ذلك تقول: هناك مئات الساعات التي تمر طوال حياتنا إما في انتظار تحقق ما نأمله أو في انتظار الوقت المناسب لبدء شيء أكثر عمقاً. وتضيف: في عام 2021، بدأت في إنتاج قطع نحتية من الخزف لمعالجة تلك اللحظات التي أمضيتها في الانتظار، والتي أصبحت فيما بعد أساس هذا العمل.
وعلى صعيد الحضور السينمائي ضمن هذا التكليف، أنتجت الغانم فيلماً فنياً قصيراً مدته 7 دقائق يُعرض مع موسيقى تصويرية وتعليق صوتي موازٍ يمكن الاستماع إليه من خلال غرفة مجاورة للبرج الذي يُعرض فيه الفيلم وذلك ليتسنى للجمهور التفاعل مع كل شكل فني متاح بصورة مستقلة إذا رغب في ذلك، وقد دعمه كل من دائرة أبوظبي للثقافة والسياحة، وكذلك هيئة دبي للثقافة التي قدمت للفنانة التسهيلات التقنية اللازمة واستديو خاص لإنتاج أعمالها في مركز الجليلة الثقافي للأطفال في دبي.
الفصول.. قصائد
وضمن المعرض توجد غرفة تضم لوحات تعكس الفصول مع قصائد شعرية تشكل خلفية اللوحات. وهي منجزة على ورق قطني وأقمشة مع ألوان أكريليك وحبر، فالشعر هو إحدى اللغات الفنية المبكرة التي تعلمتها نجوم الغانم وبدأت في استخدامها كوسيلة للتعبير.
وتعود قراءة الغانم للفصول إلى التسعينيات من القرن الماضي عندما أدركت لأول مرة الجمال العميق لموسم الخريف في أثينا، أوهايو، حيث كانت تدرس. وقد كرست عدداً كبيراً من القصائد لهذا الموسم ولـ«الصيف الهندي» المذهل بصرياً في الثقافة الأميركية الأصلية.
وبعد دعوتها مؤخراً للمشاركة في معرض «التفكير فنياً: فنانون كُتّاب من الإمارات العربية المتحدة»، الذي ينظمه مركز مرايا للفنون في الشارقة وبتقييم من الدكتورة نهى فران خصصت أعمالاً تشمل الرسم والشعر لعرضها بطريقة عمودية على الجدار أو في إطارات شفافة ليمكن مشاهدتها من جهتين.
بحثاً عن اللحظات المتبقية
خصصت نجوم الغانم بعض هذه الأعمال لتسليط الضوء على تجربتها الشعرية ضمن مشاركتها مع «فن أبوظبي» الذي كلفها بإنتاج عمل لأحد المواقع الثقافية في مدينة العين حيث ترجمت قراءتها الشعرية للفصول في الشكل المصوغ بصرياً وقد جاء على شكل لوحات.
واللوحات والقصائد المؤطرة المعروضة في قلعة الجاهلي حالياً هي جزء من ذلك التعاون المثمر مع مركز مرايا للفنون ومع «فن أبوظبي» على السواء. وهو يشكل جزئية صغيرة من العمل المتميز الذي أنتجته نجوم الغانم لزوار المواقع الأثرية في مدينة العين.
أما باقي الغرف فتشمل أعمالاً أخرى مثل «القطع الأثرية للحظات الراهنة» و«الصحراء في البيت» و«التعلق بالفراغ» و«قطع ومقتطفات من الأعمال الأولى» و«الروح الحية» وكلها أنجزت باستخدام مادة الطين والتزجيج. وهناك فيلم قصير وشريط صوتي بعنوان «بحثاً عن اللحظات المتبقية».