محمد نجيم (الرباط)
نجح الكاتب والناقد والأكاديمي المغربي علال الحجام في كتابه: «خمائل في أرخبيل: قراءات في خطاب الميتالغة عند أدونيس، في استجلاء الرؤية في الخطاب الميتالغوي (ما وراء اللغوي) عند أدونيس، أولاً لأن خطاب أدونيس الميتالغوي، يُعد خطاباً متميزاً وكان من اللازم أن يتلقى تفسيراً، وأيضاً لأنه خطاب أفرزته شروط موضوعية ترتبط بالوقائع التاريخية الحية والتجربة الذاتية والحياة الثقافية العربية التي ساهم فيها أدونيس بحضوره البارز، وهي عناصر غنية لا تمكن الإحاطة بتفاصيلها على ضوء التحليل النصي المنغلق. وهذا وعي فرض على الباحث إعادة النشاط الميتالغوي إلى جذوره التاريخية. كما أن الارتباط المرجعي لا ينبثق هنا من خارج الخطاب، وإنما يقوم في صميمه، فلولا قناعة أدونيس بتفاعل البعدين الثقافي والتاريخي، لما انغمس في ممارسة النقد العام في مواجهة قيم المجتمع ومنظوراته للكون والإنسان في أفق خلق قيم جديدة. وفي حركة التجاوز والبناء هذه، وضمن كلية نقدية شاملة كان خطابه الميتالغوي يخترق الجدران الصلبة، وعياً منه بأن التحول تحول بنيوي يشمل المجتمع والاقتصاد والإبداع والإنسان في آن واحد.
شروط إنتاج الأثر
وينطلق الكاتب في مؤلفه هذا من مقاربة تقوم على أن الأثر الثقافي لا تتم مقاربته بمعرفة معينة بالكاتب فقط، وإنما بمعرفة شروط إنتاجه لهذا الأثر أو ذاك، باعتباره مرتبطاً بجماعة كبيرة أو صغيرة من الناس، وبهذا المعنى يتخذ الأثر من الوعي الجماعي وعياً له عبر وعي فردي هو وعي مبدعه، الذي يكشف للمجتمع بالتالي الوجهة التي يختارها فكراً ووجداناً وسلوكاً دون أن يعرف هذا، وهو ما يحتم دراسة الأثر كمعطى جماعي وفردي في الوقت ذاته، فهو فردي من حيث إنجازه وإبداعه. كما يعتبر هذا الإنتاج أيضاً جماعياً على مستوى التكوّن، من حيث إن البنيات الذهنية أو البنيات المقولاتية الدالة ليست ظواهر فردية، وإنما هي ظواهر اجتماعية، ما دام الكاتب فرداً يعيش هموم المجتمع وتفاعلاته التي تتسرّب إلى سلوكه وتصرفاته، وتطبع كتابته بميسمها.
إن مقاربة الخطاب الميتالغوي عند أدونيس، بحسب الناقد علال الحجام، ليست بالأمر السهل، لأنها تتطلب وعي أوجه الاختلاف بين سائر مستويات التوظيف وعياً يقيها منزلق الحرفية، ويفتح إمكاناتٍ للبحث عن وسائط إجرائية لم تكن واردة. وتستدعي مقاربة أي أثر، ضمن هذا الأفق، مجهوداً مزدوجاً، بعد فهم في البحث، ذا طبيعة بنيوية داخلية، يربطه ببُعدِ تفسير ذي طبيعة رؤيوية خارجية، باعتبارهما مترابطين رغم انفصالهما الإجرائي. ولكن إذا نحن أردنا إنجاز قراءة جديدة في المشروع البنيوي التكويني، فسنلاحظ أنه رغم شموخه ظل أميل إلى التحليل المادي الجدلي منه إلى التحليل الشامل المعلن عنه في أدبياته والذي ينفتح على الداخل والخارج، البنيوي والتاريخي في الآن نفسه. ولذا كانت تحليلاته قاصرة إلى حد ما عن بلوغ مطمح تفكيك النسيج الداخلي لبنية الأثر السردي، إلى جانب استقصائها للشروط الخارجية التي أفرزته.
أسئلة المتن
وقد انكب المؤلف في الباب الأول من مبحثه على الإجابة عن أهم الأسئلة التي يطرحها المتن، بغية إعطاء الأثر النقدي والنظري لأدونيس قيمة فكرية وميتالغوية تنبثق من صميم علاقاته ومنظوراته للخطاب الموضوع وهو الشعر بالتحديد. وكان همُّ المؤلف هو أن يوضح أن «الدارس لم يكتب النقد الأدبي وحده، بل كتب أيضاً في نظرية الأدب ونقد النقد والشعرية، وسلكها جميعاً ضمن مصطلح واحد هو (الميتالغة) التي تستوعب الاختلاف والتعددية من جهة، فضلاً عن حاجة انصهار الأجناس الميتالغوية في بعضها بعضاً من جهة أخرى».