الشارقة (الاتحاد)
أكد الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني، شخصية العام الثقافية للدورة الـ42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، أن العلم والمعرفة لا يأتيان بسهولة، بل يتطلبان من الإنسان جهداً وعملاً واجتهاداً، مبيناً أن الوطن قيمة روحية تتجاوز المكان والزمان، وأن الهجرة تمثل تجربة إنسانية عظيمة اختار الله سبحانه وتعالى لها صفوة خلقه من رسل وأنبياء تعلموا دروس الحكمة من البيئة الصحراوية، التي وصفها بأنها مدرسة الحكمة والإبداع.
جاء ذلك في جلسة حوارية تحدث خلالها الكاتب والروائي الليبي إبراهيم الكوني، وأدارتها الكاتبة والإعلامية لوركا سبيتي، ضمن فعاليات الدورة الـ42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث شهدت الجلسة حضوراً من كبار المثقفين والأدباء والإعلاميين. ولفت الكوني في حديثه إلى قيمة العلم والمعرفة في حياة الإنسان، مؤكداً أن العلم والحكمة رهينة للألم، وقال: «إذا أردت أن تتعلم فتألم، لأن العلم رديف للألم شكلاً ومضموناً، حتى إن الهمزة في كلمة (ألم) هي في الحقيقة العين في كلمة (علم) لأن الهمزة باللغة العربية ليست إلا عيناً صغيرة».
مفهوم عميق
وتحدّث الكوني عن الوطن والهجرة، مبيناً أن الوطن مفهوم عميق، فهو روح تسكن الإنسان وتتشكل من خلاله هويته وثقافته، ولذلك، فإن الوطن يبقى وطناً في أنفسنا، وإن ابتعدنا عنه بأجسادنا، فهو يظل حاضراً في قلوبنا وأفكارنا، مؤكداً أن الوطن ليس مجرد مكان محدد في الزمان والمكان، بل هو قيمة روحية تتجاوز هذه الحدود، وقال: «إذا لم نشعر بالوطن في داخلنا، ولم نحمل شغفه وحنينه فينا، فإننا نصبح أسرى للوطن، نعيش فيه دون أن نفهم معناه أو نقدر رسالته، ومن هنا فإن الوطن يحتاج إلى من يحلم به ويسعى إلى تحقيق رؤيته».
وأضاف الكوني: «لأن الوطن قيمة روحية، فإنه يتطلب منا التضحية والصبر والتجديد، فقد نضطر إلى مغادرة الوطن جسدياً، ولكن ليس روحياً، فالمهاجرون هم أولئك الذين يفهمون قيمة الوطن، ويعبرون عنه بصدق وإخلاص، فهم يحملون الوطن في قلوبهم، ويبثونه في أماكن جديدة».
الصحراء مدرسة
وبيّن الكوني أن أعظم مثال على المهاجر هو الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي هاجر مرتين: إلى المدينة المنورة، وإلى غار حراء، حيث تأمل في خلق الله وتلقى الوحي، فالرسول، صلى الله عليه وسلم، كان مهاجراً لأنه كان نبياً، وكذلك جاء كل الأنبياء من بيئات صعبة وصحارى قاسية، فالصحراء هي مدرسة الحكمة والإبداع، ولهذا السبب، فإن التاريخ الإسلامي اختار أن يبدأ من تاريخ الهجرة، لأن الهجرة هي التي أوجدت الأمة.
تعدد الهويات
أوضح الكوني أنه ينتمي إلى هويات متعددة، ولكنه يفخر بانتمائه إلى الهوية العربية التي يتحدث بها، أو الروسية التي يتكلم بها، أو أي لغة أخرى تعلمها، مؤكداً أن تعدد الهويات أمر إيجابي في الإنسان يدل على الثراء والتنوع، ولكن الخطير في الأمر هو التعصب لهوية معينة، وقال: «إذا لم نعتنق هوياتنا المتعددة كواقع روحي بالدرجة الأولى فسنفقد رصيدنا مما نسميه خزنة الهوية، أما حين نتعصب لواحدة منها فإننا نفقد هذه الميزة التي تجعلنا أوفياء لكل ما يساهم في تشكيلنا».