سعد عبد الراضي
تعد جائزة كنز الجيل التي أطلقها مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي في 2022، من الجوائز الثقافية المهمة لارتباطها بتثمين الهوية والموروث الذي يتعين الحفاظ عليه جنباً إلى جنب مع التطور ومواكبة العصر، وقد استلهمت هذه الجائزة أهدافها من أشعار الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، سعياً لتعزيز مكانة الشعر النبطي، وإبراز دوره كمرآة للمجتمع. وللجائزة ستة فروع هي: المجاراة الشعرية، والفنون، والدراسات والبحوث، والإصدارات الشعرية، والترجمة، والشخصية الإبداعية. ويبلغ إجمالي مجموع جوائزها 1.5 مليون درهم إماراتي، مع منح 500.000 درهم إماراتي للفائز بفئة الشخصية الإبداعية و200.000 درهم إماراتي لكل واحد من الفائزين في جميع الفئات الأخرى. «الاتحاد» التقت، في هذا الاستطلاع، بعض المسؤولين عن الجائزة والفائزين بها في نسختها الأولى، للحديث عن أهمية الجائزة ورسالتها الثقافية.
ذاكرة حضارية
وفي البداية، قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، إن إطلاق جائزة «كنز الجيل» جاء بهدف دعم وتحفيز الإبداع في مجال الشعر النبطي، وإبراز الدراسات والأعمال التي تتناول الموروث المتصل به، انطلاقاً من كونه واحداً من الفنون الشعرية العربية التي تتمتع بخصوصية استثنائية، وتتفاعل مع البيئة العربية بقيمها وأخلاقها وخصائصها المتفردة، إذ اكتسب الشعر عند العرب أهمية خاصة من بين كل الفنون، لأنه يتخطى اعتباره شكلاً من أشكال الفنون الأدبية، إلى كونه يمثل هويتهم، وذاكرتهم الحضارية، ووعاءهم الثقافي الأرسخ والأكثر عراقة وأصالة حتى قيل إن «الشعر ديوان العرب».
وأضاف: «إن الجائزة تترجم اهتمام إمارة أبوظبي بالموروث من شعرٍ وفنٍ وثقافة مما كان سبباً ليس في حفظ التراث الإماراتي فحسب، بل في حفظ جزءٍ كبيرٍ ومهم من الإرث العربي ككل، فباتت أبوظبي وجهة الثقافة العربية، وقبلة الباحثين والأدباء من جميع أنحاء العالم».
وحول تطور الجائزة منذ إطلاقها، قال الدكتور علي بن تميم: «في الدورة الثانية لجائزة كنز الجيل لعام 2023 لاحظنا إقبالاً متزايداً للمشاركة، وبدا واضحاً تنامي الانتشار العالمي مع مشاركة دول جديدة منها: الصين، وتونس، وروسيا، وتركيا، والمملكة المتحدة وغيرها. ولا شك أن دور مركز أبوظبي للغة العربية في دعم الأعمال المشاركة في الجائزة لا يقتصر على تكريمها، بل يستمر أيضاً لتفعيل دور هذه الأعمال في المشهد الثقافي العربي والعالمي، من خلال إشراك الفائزين في البرامج الثقافية التي يُنظمها المركز في مختلف المحافل الثقافية على مدار العام، ما يرفع مستوى الوعي بالجائزة، ويُشكل حلقة وصل مع المبدعين بهذا الفن الأصيل في كل مكان ويُسهم في توسيع رقعة انتشاره».
تعبير صادق
أما الأديبة والأكاديمية الإماراتية الدكتورة عائشة علي الغيص، الفائزة بجائزة النسخة الأولى فرع «البحوث والدراسات» فقالت: «إن الشعر النبطي سجل للماضي وللأعراف التاريخية والقيم الاجتماعية، ويمتاز بتفرد أسلوبه، نظراً لبنيته ومضمونه وأهميته الأدبية ووظيفته الاجتماعية وقيمته التاريخية». وأضافت: «جاءت جائزة كنز الجيل بمبادرة سامية من القيادة الرشيدة لتسلط الضوء على أهمية تثمين الإرث الحضاري الإماراتي العميق الهوية والتاريخ، بما يتناسب ومكانته المتميزة في المشهد الثقافي الإماراتي».
وتابعت: «إن الشعر النبطي مصدر من مصادر المعرفة، ورافد من روافد الثقافة، وأداة لرصد ظواهر المجتمع ومعرفتها وتسجيل بعض الحقائق التاريخية وقت حدوثها، وما مر بها من متغيرات، وما عاصرته من أحداث ضمن محصلة التجارب والخبرات الإنسانية، وهو بمثابة التعبير الصادق لما قد يتعرض له الشاعر من مواقف تسهم في إلهام ما يختلج في نفسه من مشاعر وأحاسيس».
وأكدت الغيص أن الجائزة ستسهم في تفعيل الدراسات النقدية الجمالية التي لا تختص بالشعر النبطي فقط، بل تنفتح على الإبداع البشري بأنواعه العديدة شفهياً كان أم مكتوباً مثل: الفلكلور الشعبي الإماراتي واللهجات والموسيقى والنحت، وهذا يوسع أفق النقد بالمفهوم الجمالي العام، ويعمل على إبراز الفنون الإماراتية وفق منهج جمالي منفتح على فنون الإبداع كافة.
هامة وقامة شعرية
ومن جانبه، قال الشاعر الإماراتي عبيد بن قذلان المزروعي، الفائز بجائزة النسخة الأولى، فرع المجاراة الشعرية: «إن جائزة كنز الجيل تعود في دورتها الثانية بعد المفاجآت التي كشفت عنها في دورتها الأولى، والتي أثرت كثيراً الساحة الأدبية والشعرية بتحفيز الإبداع الشعري وتثمين الموروث الشعبي الأصيل، وأسعدت الشعراء بما فتحته لهم من فرص واسعة للمشاركة، وما عززته في مجالات البحث واستكشاف المفردات الإماراتية الأصيلة».
وفيما يخص فرع المجاراة الشعرية، فإن الشعراء جاروا هامة وقامة شعرية سامقة وغنية عن التعريف ألا وهو المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والجميع يعرف أن قصائد الشيخ زايد غنية بالمفردات الإماراتية المحلية الأصيلة، والمسميات والمعلومات التي توثق وتؤرخ للأماكن المحلية والحياة الاجتماعية في الدولة، الأمر الذي أتاح فرصاً كثيرة للارتقاء بالموروث الشعبي وإعادة المفردات المحلية الأصيلة إلى النسيج الشعري والإبداعي.
وأضاف المزروعي أن دولة الإمارات تتطلع من خلال هذه الجائزة إلى الارتقاء بهذا الموروث الثقافي الأدبي، وإثراء الأفكار المعززة له من ضمن جهود المؤسسات والهيئات الحكومية، مما يجذب أكبر قدر من المشاركين، ويصنع فرصاً جديدة على الساحة الشعرية محلياً وإقليمياً ودولياً.
فن أدبي رفيع
أما الفنان الجزائري عبدالقادر داودي الفائز بالجائزة عن فرع «الفنون» فقد قال: «تكمن أهمية الجائزة في تعريف الجيل الجديد في المنطقة وخارجها بموروث الشعر النبطي، وتقديمه إلى جميع شرائح المجتمع، من مثقفين ودارسين وفنانين، من خلال فنون وبحوث وترجمات تؤرخ وتوثق لهذا الفن الأدبي الرفيع، لنجدها يوماً ما في المتاحف، وفي المكتبات والكتب الثمينة المتعلقة بشعر المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه». وأضاف: «أما الرؤية المستقبلية التي أنشدها فتتعلق باتساع فئات الجائزة لتشمل مجالات أخرى تعزز من قيمتها الكبيرة التي بدت عليها منذ انطلاقتها القوية».
آفاق رحبة
وبدوره، قال الدكتور خالد المصري من الأردن- الولايات المتحدة الأميركية الفائز بفرع «الترجمة»: «أرى أن إنشاء جائزة كنز الجيل خطوة إيجابية كبيرة في تعزيز حضور الشعر النبطي في الوجدان الثقافي العام، ولاسيما أن هذا النوع من الشعر وثيق الصلة بالثقافة الشعبية، وأحد أبرز الأساليب التعبيرية والإبداعية المرتبطة بالهوية الوطنية وبالبيئة الحاضنة والصانعة لهذه الهوية.. وفضلاً عن ذلك، يرفع تأسيس جائزة كنز الجيل أيضاً مستويات الاهتمام بالشعر النبطي الذي يتسم بمقدرة فريدة على التعبير عن خصوصية المحيط المادي والروحي للمجتمع، وقيمه الفنية والموضوعية، ورؤيته الحضارية للإنسان في تفاعله الشعوري الحي مع الأزمنة والأمكنة».
وأضاف: «أشجع الشعراء والباحثين والفنانين والمترجمين على تقديم أعمالهم لهذه الجائزة، واقتناص فرص ترسيخ حضور الشعر النبطي في مرتبة متقدمة من البناء الثقافي العام، والدفع به إلى آفاق إنسانية جديدة ورحبة. وأدعو المترجمين تحديداً إلى خوض تجارب نقل هذا النوع من الشعر إلى اللغات الأخرى من أجل إطلاع أبنائها على مكون صادق وثري، ثقافياً وفنياً، من مكونات الثقافة العربية الأصيلة، فضلاً عن المساهمة في الانفتاح على الآخر، وتعزيز روح التواصل الحضاري معه، وتأكيد الجانب الإنساني الذي يحمله هذا الشعر».