الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النص الإبداعي.. والذكاء الاصطناعي

النص الإبداعي.. والذكاء الاصطناعي
26 أكتوبر 2023 01:23

فاطمة عطفة
أصبحت توظيف الصناعات الإلكترونية في مختلف مجالات الحياة مسألة رائجة في عصرنا، بدءاً من الإنسان الآلي «الروبوت» وحتى محاولات توظيف الذكاء الاصطناعي في الفن التشكيلي والكتابة الإبداعية من شعر وسرد قصصي وكتابة أدبية، وهذه المحاولات أخذت تلفت انتباه الرأي العام الثقافي، وخاصة الشباب من المولعين بدخول العالم الافتراضي ونشر محاولاتهم الإبداعية في مواقع التواصل الاجتماعي. 
وفي مواجهة هذا المتغير الثقافي الإلكتروني الصاعد، امتد التوجس من المستقبل أيضاً إلى المجالات المهنية، حيث نرى أن بعض المفكرين باتوا قلقين على كثير من المهن الإنسانية المهددة بالزوال، لأن منتجات الذكاء الاصطناعي قد تقوم بتلك المهن، وهذا قد يؤدي إلى انتشار البطالة في العالم، إذا لم يجد الحكماء قانوناً رادعاً وعلاجاً ناجعاً حتى لا تحل هذه الاختراعات محل مهارات الإنسان. ومن ضمن هذه المهارات طبعاً المهارات الثقافية والإبداعية. وللوقوف على إشكالات وممكنات وحدود توظيف الذكاء الاصطناعي في المجالات الثقافية والإبداعية استطلعت «الاتحاد» آراء كوكبة من الأدباء والمفكرين وكان هذا الاستطلاع.

محتوى نصي
وعن عصر الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة، قال الشاعر محمد أحمد السويدي: «سيغير الذكاء الاصطناعي الطريقة التي يفكر بها البشر، وستعيد صناعات بأكملها النظر في الأسس التي نشأت عليها، وستتميز مستقبلاً قطاعات أخرى من خلال قدراتها على التكيف مع مستجدات الذكاء الاصطناعي».

وتابع مبيناً أن الذكاء الاصطناعي أضحى لاعباً أساسياً في الحياة اليومية للبشر، وأمكن توظيفه في المجالات الثقافية والإبداعية، وقد أحدث تغييراً كبيراً في كتابة النصوص وتطويرها، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات واستخلاص المعلومات من مصادر مختلفة لإنتاج محتوى نصي متنوع وفعال. كما يمكن استثماره أيضاً لاقتراح أفكار لأعمال أدبية جديدة من خلال تحليل النماذج والأنماط الموجودة في النصوص الأدبية القائمة. وعلاوة على ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للتحرير والتصحيح النصي. ويمكنه تحليل النصوص واكتشاف الأخطاء اللغوية والنحوية مثلاً، واقتراح تحسينات للتراكيب والأساليب مما يساعد الكُتّاب والمحررين في تحسين الجودة العامة للكتابة.
ومع ذلك، يبقى السؤال حول قدرة الذكاء الاصطناعي على التقاط المشاعر الإنسانية في الإبداع. حالياً، يعتبر فهم المشاعر والعواطف البشرية تحدياً صعباً بالنسبة للذكاء الاصطناعي. وعلى رغم ذلك، فإنّ تطور الذكاء الاصطناعي في مجال تحليل اللغة الطبيعية وتعلم الآلة قد يؤدي في المستقبل إلى تقدم يسمح له بفهم المشاعر الإنسانية والتعبير عنها بدقة أكبر.

الأفق المستقبلي
ويضيف الشاعر محمد السويدي قائلاً: بالنسبة للأفق المستقبلي للذكاء الاصطناعي، فمن المتوقع أن يشهد تطوراً رأسياً في قدراته، وتنوعاً أفقياً واسعاً في مجالاته. وسيؤثر ذلك في زيادة الإنتاجية والكفاءة في العمل الإبداعي، وتوليد أفكار جديدة وحلول مبتكرة. وقد يزيد أيضاً من توفر الأدوات والتقنيات للكتّاب والمبدعين، مما يسمح لهم بتحقيق إبداعاتهم بطريق أسهل.
وقال: إن الذكاء الاصطناعي سيستمر في التداخل مع المجالات الثقافية والمعرفية والإبداعية، وسيحد من عدم المساواة في تلقي التعليم، وسيغير شكل التعليم مستقبلاً ولن أفاجأ إذا ما ألغيت المدارس والجامعات بصورتها التقليدية، ومن المتوقع أن يتضاعف ويتسارع التطور في هذا المجال في المستقبل. ومع ذلك، يجب أن نواجه التحديات والمخاطر المحتملة بحذر، من خلال توفير منظومة قيمية تضمن أن الإبداع البشري والتعبير الفريد لا يتأثران بكل هذه التغيرات بشكل سلبي.

الثورة الرقمية
وحول هذا التحول التكنولوجي وتداعياته الثقافية، يقول الكاتب د. عمر عبدالعزيز: يتواتر الحديث هذه الأيام عن الذكاء الاصطناعي، وذلك عطفاً على الثورة الرقمية العالمية التي تعددت توجهاتها، وتنامت مؤثراتها، وعصفت بمألوفات الحياة.

ويرى أن من الطبيعي أن يخترق الذكاء الاصطناعي مجالات الإعلام والفنون والآداب، وأن يكون الرهان الأساس للتميز مرتبطاً بالثقافة العالمية، والتحدي الذهني المتصل بالخيال الإنساني. وفي المقابل ستنمحي بعض المهارات الحرفية التي ستنسحب تباعاً لصالح الذكاء الاصطناعي.
وتابع د. عبد العزيز قائلاً: إن تجليات آثار الذكاء الاصطناعي في الحياة الابداعية لا يمكن استبار أبعادها وظواهرها المحتملة في مقاربة عابرة. فنحن اليوم بصدد توليدات تلقائية لخيارات متجددة، حتى إنني أستطيع تجويز ما يذهب إليه بعض علماء الحياة حول الإنسان القادم بوصفه إنسان ما بعد الإنسان، والفلسفة البرهانية العقلية بوصفها شكلاً عاتياً من أشكال الميثولوجيا التي لم نعرفها في تواريخ الرصد والتدوين الموروث! ويتطلع عبد العزيز إلى آفاق المستقبل فيرى أن الإعلام الجديد لن تتغير أدواته جذرياً فحسب، بل سيتغير أيضاً نمط المهارة والمعرفة للعاملين في هذا الحقل ككل. وبالنسبة للآداب والفنون سيشهد العالم تحولات متتالية تضع البشرية أمام مفاهيم جديدة لمعنى الإبداع.

خرافة ثقافية
ومن جانبه، يقول الروائي علي أبو الريش: إن موضوع الذكاء الاصطناعي أصبح في رأيي يشبه علاقة المثقف المدعي بالثقافة، فاليوم نشهد قفزات مريعة في هذا الشأن، أي الذكاء الاصطناعي. وأعتقد أن العالم قد يكون ذاهباً إلى مأزق عقلي، فكيف يمكنني التصديق بأن العقل البشري سيتخلى عن دوره الريادي في صناعة الإبداع، ويتجه مجدداً إلى خانة ضيقة معتكفاً في كهف الأزمنة الغابرة ليمنح المجال للآلة كي تكتب على سبيل المثال رواية أو قصيدة؟
ويضيف الروائي أبو الريش موضحاً: لو صدقنا مثل هذه الخرافة فهذا يعني أننا نحيّد مشاعر الإنسان وندخلها في صندوق صدئ، ونطلق العنان للأجهزة الصماء كي تقوم بدور المبدع. وهذا أمر تقوده غايات قد تكون خفية الهدف منها تفريغ الإنسان من معناه كراعٍ في الوجود، كما قال هايدجر، وهي ربما تكون خطة جهنمية عصيبة تهدف إلى تنفيذ الخطة الأسبق منها، وهي فكرة «دعه يعمل.. دعه يمر»، ورأينا ماذا حل بالعالم الحديث من كوارث ومآسٍ أحدثت شرخاً متسعاً بين البشر حيث انقسم العالم إلى «أغبياء» و«أذكياء»، وتم ترك فئة لتنمو على حساب فئة أخرى.

ويؤكد أبو الريش أن الذكاء الاصطناعي في مجال الإبداع كذبة كبرى، وهو يتوقع أن تتلوها أكاذيب أخرى ليصبح الإنسان في النهاية وكأنه مجرد فكرة متجاوزة أطاحت بها ريح التهور التكنولوجي وحماقة بعض البشر، مبيناً أن الإنسان من دون عقل مبدع هو كائن مفلس مصيره الانقراض، والواجب يقضي أن نعي خطورة إخراج العقل من المعادلة الإنسانية، وهذه هي المأساة التي قد يواجهها البشر في هذا القرن، وهي أن الإنسان سيفرغ من مضمونه وسيجلس على دكة الانتظار، أي انتظار نهايته! 

احتمالات مستقبلية
أما د. ضياء عبدالله الكعبي، أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث بكلية الآداب بجامعة البحرين، فقالت: إن الذكاء الاصطناعي وتحققاته في المجالات الثقافية والإبداعية على اختلافها سيكون في حيِّز التوقعات والاحتمالات المستقبلية، لأننا لا نزال طارئين على مثل هذه التحققات في المنطقة العربية، وخاصة عندما يدور الحديث عن الإبداع الرقمي في الفن والأدب. ولكن مثل هذا الإبداع لا يزال ضئيلاً وشحيحاً مقارنة بالإبداع الغربي في مثل هذه الحقول الإبداعية. وفي تصوري فلن يستطيع الذكاء الاصطناعي الحلول محل العقل البشري المبدع مطلقاً، ولا أن يمتلك الحساسية الإبداعية ولا الذكاء العاطفي. ونستطيع توظيفه مثلاً في مجال التحرير والتصحيح الكتابي، أو توظيفه كذلك في إثراء حملات سردية لدعم خطاب التسامح الثقافي ونبذ خطابات الكراهية والتطرف في العالم كله.
وترى د. الكعبي أن تطبيق chatgpt مثلاً يستخدم حالياً في إنتاج الكلمات المفتاحية، والبحث عن الموضوعات الكتابية، وإنتاج العناوين، ولكن ستبقى حدود الإبداع ضيقة نوعاً ما مقارنة بالحدود اللانهائية للإبداع البشري. كما أنَّ حدود كتابات الذكاء الاصطناعي في تناول الإشكاليات الدينيّة والسياسيّة وغيرها ستبقى محدودة هي أيضاً بحدود حريات الشركات المطوِّرة. ولا شك أنَّ الذكاء الاصطناعي سينتج معه أخلاقياته وحقوق الملكيات الفكرية والجماعية، وحدود الانتحال والسرقات الفكرية والإبداعية في كتابات تكنولوجية عابرة للحدود والقارات والأزمنة!

سرديات مضادة
وتورد د. الكعبي في سياق حديثها عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تأثر الرواية الجديدة به مثلاً في رواية «كلارا والشمس» للروائي البريطاني -من أصل ياباني- كازو إيشيغورو، وهو حاصل على جائزة نوبل في الآداب في عام 2017. وقد جاء في بيان الجائزة: «لقد كشفت روايات كازو إيشيغورو المشحونة بالعواطف عن الهاوية الكامنة تحت شعورنا الوهمي بالتواصل مع العالم». وتنتمي روايته «كلارا والشمس» إلى روايات الخيال العلمي الصادر عن أدب الديستوبيا Dystopia (أدب المدن والمجتمعات التخيلية السلبية وغير المرغوب فيها).

وتوضح أن هذه الرواية تشتغل على سرديات مضادة لاحتمالات سيطرة الروبوتات والآلات الذكية على الإنسان وتحكمها في مستقبل البشرية، وتندرج هذه الرواية كذلك ضمن قانون الروائي الأميركيّ إسحاق أسيموف في روايته «التملص»، التي صاغ فيها ضوابط برمجة الروبوتات الآلية في علاقتها الممكنة بالمجتمعات البشرية، وهذه القوانين هي: لا يجوز لآلي إيذاء بشري أو السكوت عما قد يسببه من أذى له، ويجب على الآلي إطاعة أوامر البشر، إلا إن تعارضت مع القانون الأول، ويجب على الآلي المحافظة على بقائه طالما لا يتعارض ذلك مع القانونَين الأول والثاني، ولا ينبغي لأيّ روبوت أن يؤذي الإنسانيّة، أو أن يسمح لها بإيذاء نفسها.

«كلارا والشمس»
وتعود د. ضياء الكعبي أيضاً إلى رواية «كلارا والشمس» قائلة: يقدم لنا كازو إيشيغورو على امتداد صفحات هذه الرواية سرداً بضمير المتكلم على لسان الصديق الاصطناعي «كلارا»، وهي في محطاتها الزمنية الثلاث: في المتجر (قبل الاقتناء) وهي تتلقى التحذيرات من سلوك البشر، ثم بعد اقتنائها ومرحلة الصداقة العميقة مع «جوزي»، ثم بعد قذفها في المخزن لتفقد حياتها في ابتعادها عن الطاقة المحركة لها (الشَّمس).
إنَّ ثمَّة أسئلة فلسفية كبرى وراء هذا السرد الحكائي المبسط، وهي أسئلة عن: الإنسانية، والتواصل مع العالم، والحب، والحياة، والصداقة، واستشراف المستقبل. إنَّ هذه الرواية من الروايات الاستثنائية ذات المعاني الفلسفية العميقة التي تعيد صياغة علاقة الإنسان والعالم من حوله! إنَّها رواية عن حقيقة تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©