نوف الموسى (دبي)
الاستمرار في الاحتفاء المعرفي والفكري والاجتماعي لانطلاق مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الـ14، بتنظيم من هيئة دبي للثقافة والفنون، يُعد ضرورة ثقافية تتجاوز فكرة المبادرات الصورية، لما له من قيمة إنسانية في تعزيز المشاركة المجتمعية، وإدراك تشكلات «المعنى» في البنى المجتمعية للأفراد من خلال سرد المتغيرات، ومجابهة التحديات المعاصرة، التي يشهدها الإنسان في العصر الحديث، ولا يُمكننا إغفال مفهوم عمل «المجموعة» وأهميتها التي تلقي بظلالها على منظومة الفرق المسرحية، فالكل يعمل من أجل الكل، وسط صعود صارخ لـ«الفردانية» التي رغم أهميتها أحياناً في بعض الحالات، إلا أن المسرح بطبيعته قادر على أن يوظفها، ويعمق دورها في إثراء وعي المجموعة ككل، فالشباب في مهرجان دبي لمسرح الشباب لا ينتجون فعلياً أعمالاً مسرحية فقط، بل يتدربون أيضاً على خلق مساحات تعبير لبعضهم بعضاً، تمكن كل شخص مشارك من أن يعبر عن ذاته الفنية وشخصيته ودوره، وإلا فسيكون العرض بذلك قد فقد قيمة أساسية فيما يمكن أن نطلق عليه «السرد الحيّ» للحياة. ومن هنا فإن العرض المسرحي الافتتاحي للمهرجان بعنوان «مؤتمر المجانين» للمخرج عبدالله الحمادي وتأليف د. محفوظ غزال والتابع لجمعية ياس للثقافة والفنون والمسرح، جاء بمثابة بحث للقضايا الإنسانية في فضاء الصخب والعبث التكنولوجي، واستهلال مباشر للتساؤلات النقدية والبناء المعرفي حول ثقافة المسرحيين الشباب وأثرها في قراءة مشهدية الأداء الفني في المجتمع الإبداعي المحلي. ويمتلك المخرج عبدالله الحمادي، مخيلة بديعة قادرة على أن تتصور الحركة والجماليات في الفضاء المسرحي العام، وقد يكون ذلك ملحوظاً بدرجة نسبية باهتمامه المتمركز على السينوغرافيا في العرض المسرحي، وظهر هذا مسبقاً في مسرحية «دوبي» التي عرضت في السنة الماضية من عمر المهرجان، إلا أنه في اعتقادي من منظور متابع عام، أن اشتغاله كمخرج على النص المسرحي، وآلية سرد الحكاية في داخل العرض، ربما لا تزال تفتقد خيطها الرفيع القادر على أن ينسج التجربة الشعورية الجوهرية التي تربط بين كل تلك القصص الإنسانية المبعثرة التي قصد أن يطرحها بشكل عبثي وبنقلات سريعة، يعكس فيها أثر الفضاء التكنولوجي من جهة، وبعض التحيزات الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي ربما ورطت إنسانيتنا في اشتباكات طاحنة بلا جدوى تذكر! وقد يحسب للعرض أنه قدم أربع شخصيات تعاني الجنون، ما يجعل الضياع والعبثية، وكذلك الحكمة في العرض قد تكون مبررة، إلا أن النص المسرحي بطبيعته مكشوف، وفقدان جوهره قد يكون جلياً، ولا يُمكن احتواؤه بحركة الممثلين أو حتى امتلاء الفضاء المسرحي.
والحال أن «الثقافة المسرحية» وعلاقتها بالشباب؛ شكلت أحد الأسئلة المهمة في الندوة التطبيقية لمسرحية «مؤتمر المجانين»، حيث تساءل أحد المشاركين: لماذا لا يكتب الشباب نصوصهم المسرحية، بدل الاستعانة بكُتاب آخرين، وبالطبع لا مشكل في هذا الأمر عموماً، ولكن رصد الشباب لقضاياهم يقدم عادةً بعداً أعمق في التجربة المسرحية ككل، ووقتها جاءت إجابة المخرج عبدالله الحمادي، أنه على استعداد إذا ما رغب أحد الشباب في تقديم نصه، للاطلاع عليه ومحاولة تقديمه على خشبة المسرح. وهذه المداخلة تحديداً نقلتنا إلى أداة مسرحية مهمة على الشباب الاستفادة منها هي ما يمكن أن نطلق عليه «ورشة الكتابة الجماعية»، وهذه آلية معرفية تعزز علاقة المسرحيين الشباب ببعضهم بعضاً من خلال بناء قصص مسرحية مشتركة بدل استقبال النصوص الجاهزة، ما يسمح لهم أيضاً بقراءة أكبر مجموعة ممكنة من النصوص المسرحية للتعرف على طرق الكتابة، ويمهد لاستقبال واكتشاف مواهب شبابية جديدة. ولنا أن نتخيل كيف أن شخصاً ما يكتب جملة حواريه يكملها شخص آخر في المجموعة، فالتجريب الذي يعمد إليه المسرحيون الشباب من خلال المهرجان، بهدف التعلم والتطور، يتعين أن لا يكتفي بإيجاد حلول إخراجية وتمثيلية وإنما أيضاً اقتراح حلول في عالم الكتابة المسرحية، وخاصةً أن طبيعة المسرح تتيح العمل الجماعي المشترك.