فاطمة عطفة (أبوظبي)
ناقشت جلسة أدبية في مؤسسة «بحر الثقافة» رواية «زوربا»، وهي من تأليف الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس وترجمة أحمد بلسعيد، وأدارت الحوار بين المشاركات الكاتبة مها بوحليقة، فقدمت لمحة موجزة عن الكاتب وتأثره بالبوذية والفيلسوف الألماني نيتشه، مشيرة إلى بعض أعماله ومنها: الإخوة الأعداء، والإغواء الأخير، إضافة إلى هذه الرواية التي تحولت إلى فيلم من بطولة أنتوني كوين الذي أجاد التعبير عن شخصية زوربا، وحصد الفيلم العديد من جوائز الأوسكار، وأنتوني كوين نتذكره أيضاً بفيلم «عمر المختار»، وفي النسخة الأجنبية من فيلم «الرسالة». وأضافت بوحليقة أن أشد ما يميز شخصية زوربا هو جمعها للعديد من التناقضات: الطيبة والشر، الإيمان وعدم الإيمان، الحكمة والعبث، تقدير المرأة وعدم تقديرها.. وهي تكمل بغرابتها تناقضات شخصية البطل الراوي العليم والقارئ النهم، المثالي والغني والقليل الخبرة، في الوقت نفسه، مبينة أن الرواية تكتظ بالفلسفة والتأملات والجمالات والأسئلة الوجودية العظمى والساخطة في آن.
وبدورها تحدثت الإعلامية عائدة الأزدي قائلة: إن البطل زوربا لديه دائماً رؤى حديثة ولديه حكمة، وكان مثل الحكواتي يروي القصص والأحداث من خلال ما يرويه، وكان لا يرضى بالقليل ويقنع القارئ بأن لا مستحيل، وقد أدخل على الحكاية الكثير من الرموز. والحال أن هذه الرواية عمل أدبي متكامل سواء في السرد ومجريات الأحداث والترجمة.
وفي التفاصيل السردية، يلتقي زوربا بالكاتب في مقهى مرفأ «بيريه» بأثينا ويطلب السفر معه إلى أي مكان، ويخبره بأنه يتقن كل أنواع العمل «بالأرجل والأيدي والرأس، جميعها»، كما أنه يتقن أيضاً العزف على السانتوري، ولا يستطيع التعبير عن أفكاره إلا بالرقص! وهو مستعد للعمل في خدمته، بدءاً من إعداد الطعام حتى حفر الأنفاق والعمل في مناجم الفحم، لأن لديه خبرة طويلة في هذا العمل، فيأخذه معه إلى جزيرة كريت لأن لديه هناك مشروعاً لاستخراج الفحم، ويكلفه بالعمل مراقباً للعمال في المنجم.
ويتناول الكاتب جوانب متعددة من الحياة من خلال منظورين مختلفين، فالراوي كاتب مثقف ورث ثروة يستثمرها في المناجم، وهو مشغول بإنجاز عمل أدبي بعنوان «العاصفة البوذية»، وزوربا كهل ممتلئ بتجارب الحياة العملية بعيداً عن مناهج التعليم ومواعظ الكنيسة وكل ما يقيد حرية الإنسان ورغباته، وقد اشتغل في أعمال كثيرة من البيع إلى العمل بالمناجم، وحتى الانخراط في الثورة التي قامت في جزيرة كريت في ستينيات القرن التاسع عشر.
وتدور أحداث الرواية بين هاتين الشخصيتين، وكأنها تمثل الحياة بتناقضها وتكاملها بين الأحلام والأفكار النظرية الهائمة في فضاء العقل عبر الخيال وبين التجارب العملية التي يكتسبها الإنسان من عمل يديه. وربما كان المطر من أهم المشاهد التي تربط بين السماء والأرض، بين الدير وأعباء الحياة العامة، الفكر والواقع حيث البحر والغابة والمنجم والكوخ، والخسارة والربح، والطعام والشراب والنوم، وبين أخطار العمل في المناجم وانهيار الأنفاق وبين أحلام الكاتب وسهره لإنجاز مشروعه.ومع مرور السنين بين النجاح والإخفاق والفرح والحزن، والحياة والموت، كان لا بد للصديقين أن يفترقا، ويمضي زوربا إلى تجارب ومغامرات أخرى، وينجز الكاتب روايته، وتكون النهاية في رسالة يستلمها الكاتب وفيها خبر وفاة زوربا بصورة درامية مؤثرة حيث نهض من الفراش ومشى إلى النافذة. وهناك تعلق نظره في المسافات البعيدة... وقضى نحبه وأصابعه معلقة بالنافذة.