الأحد 24 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شكري المبخوت.. «السيد العميد» سيرة غير ذاتية

غلاف رواية «السيد العميد في قلعته»
5 سبتمبر 2023 01:04

ساسي جبيل (تونس)

حصل د. شكري المبخوت على دكتوراه الدولة في اللغة والآداب العربيّة من كلية الآداب والفنون والإنسانيّات من جامعة منّوبة - تونس. وعمل عميداً لكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات بجامعة منوبة (بين 2004 و2011) ثمّ رئيساً للجامعة نفسها (بين 2011 و2017). والتحق بجامعة زايد بصفة أستاذ كرسي اللغة العربيّة في 2019. وله عديد الإصدارات في النقد الأدبي واللسانيّات، علاوة على أعمال روائيّة وقصصيّة أشهرها روايته الأولى «الطلياني» التي فازت بالجائزة العالميّة للرواية العربيّة في دورة 2015 وقد ترجمت إلى الإيطاليّة والإنجليزيّة. ومن أعماله السرديّة: «السيّدة الرئيسة» و«باغندا» و«مرآة الخاسر» و«السيرة العطرة للزعيم».
وبعد فوز المبخوت عام 2015 بالجائزة العالميّة للرواية العربيّة المعروفة إعلامياً بالبوكر عن روايته الأولى «الطلياني» أصدر أيضاً خمسة أعمال إبداعيّة أخرى. وآخر إصداراته في الرواية كان بعنوان «السيّد العميد في قلعته» الصادرة عن دار التنوير. وقد صادف صدور هذه الرواية تولّي المبخوت رئاسة لجنة البوكر لدورة هذه السنة.
خطوط سردية
ويواصل المبخوت في «السيّد العميد في قلعته» اتّجاهه الفنّي والفكريّ الذي برز منذ «الطلياني» وتأكّد في «مرآة الخاسر» و«باغندا» و«السيرة العطرة للزعيم» ومجموعته القصصيّة «السيّدة الرئيسة». فهو يكتب قصّة تونس المعاصرة وتاريخها القريب جداً بروح نقديّة ونزعة اجتماعيّة. فنرى في سرده أحوال البلاد وتحوّلاتها والصراعات التي عرفتها وملامح الشخصيّات الحالمة وهي تعيش بهجتها ومكابداتها.
ورواية «السيّد العميد في قلعته» تتناول موضوعاً نادراً في الفنّ الروائيّ العربي والعالميّ. فمن خلال تولّي أستاذ تونسيّ لعمادة أكبر كلّيّة آداب في البلاد تنشأ الخطوط السردية الدراميّة في الرواية.
فنجد خطاً درامياً موضوعه النفوذ ويدور على التنافس بين الأساتذة أنفسهم بتوجّهاتهم الإيديولوجيّة والفكريّة من أجل الوصول إلى أعلى منصب علميّ في الكلّيّة وهو العمادة. ونجد خطّ الصراع بين رغبة الوزارة المشرفة على التعليم العالي في التأثير على القرار الجامعيّ وبين نزعة الاستقلاليّة التي يتمسّك بها الجسم الأكاديميّ. ونجد كذلك موضوعاً يرتبط بما قد تحدثه تحرّكات الطلبة ومطالبهم من مشاكل يتداخل فيها حماس الشباب ومناورات الأحزاب. كلّ ذلك وغيره قدّمه المبخوت في خلطة عجيبة متناسقة تكشف مختلف أبعاد عوالم الكلية.
وتبدأ أحداث الرواية بتعيين أحد الأساتذة عميداً بالنيابة قبل أشهر من خوض انتخابات تجديد العميد. وقد تدخّلت في ذلك الأطراف النقابيّة بعد خلافات حول الأوْلى بالمنصب من أعضاء المجلس العلميّ للكلّيّة. ولكنّ المشهد الافتتاحيّ في الرواية كان مكثفاً وقد تدرّج فيه الراوي ليقدّم لنا بذور الصراعات التي ستنمو في الرواية، حيث كان مشروع العميد منذ البداية تطوير الكليّة وتحديث هياكلها الإداريّة والعلميّة، علاوة على جانب ذاتيّ يتمثّل في تحدّي العوائق والإيمان بقدرة الفرد على التغيير الذاتي.
سيرة ذاتيّة؟
ولكنّ مسار الأحداث المتشابكة كشف شيئاً فشيئاً العوائق التي تعطّل تنفيذ المشروع. وهي عوائق منها ما يتّصل بمجموعات ضغط داخل الكليّة جسّدتها شخصيّة فريد الأرناووط ومناوراته. وتأتّى بعضها أيضاً من الخلاف بين العميد ووزير التعليم العالي خلال إضراب إداريّ شهدته الجامعة التونسيّة سنة 2005 وكانت نتائجه بالغة السلبيّة. وفي أثناء محوري الصراع هذين تبرز جملة من المشاكل الأخرى الثانويّة التي تبيّن أنّ مجتمع الجامعة لا يختلف من حيث التحديات الصعبة عن المجتمع عموماً. ولذلك فإنّ ميزة هذه الرواية أنّها أعادت بناء مجتمع الأكاديميّين بطريقة ركّزت على البعدين النفسي والاجتماعيّ للفاعلين فيه وعمقهم الإنسانيّ.
فعلى رغم أنّ العارفين ببعض أجواء عالم الجامعة في تونس يمكنهم التقريب بين الأحداث الواردة في عالم «السيّد العميد في قلعته» والواقع السياسيّ والاجتماعيّ والجامعيّ التونسي في بداية العشريّة الأولى من هذا القرن فإنّ هذه الأحداث قد لا تمنع القراء أيضاً، إذا ترجمت هذه الرواية إلى لغات أجنبية، من أن يجدوا فيها بعض الشواغل المشتركة في البيئة الجامعيّة في مختلف مناطق العالم الأخرى عموماً.
وكما سبقت الإشارة فقد تولّى المبخوت بين سنتي 2004 و2011 عمادة أشهر كلّيّة آداب في تونس وهي كلّيّة منّوبة. ولذلك فقد يتّجه بعض القراء إلى تصنيف الرواية على أنّها رواية سيرة ذاتيّة وإن كان «السيّد العميد» فيها مختلفاً عن شخصيّة شكري المبخوت بحسب المعطيات التي قدّمها عنه في الرواية.
لقد كانت الجامعة حاضرة في جلّ روايات المبخوت ولكنّه في «السيّد العميد في قلعته» يفتح أبوابها على مصراعيها ليكشف الكثير ممّا يدور فيها من يوميات ومواقف لا تنقصها الحياة ولا الحيوية والتشويق.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©