نوف الموسى (دبي)
تبقى قصائد جلال الدين الرومي منارةً استثنائية في المسيرة الروحية لاكتشاف الذات في مخزون الثقافة الإسلامية، وتأثيرها على الرؤى الاجتماعية والفلسفية والفكرية العالمية، حيث يستمر الموسيقيون في التغني بالشاعرية الأسمى للمعنى المتفرد للعلاقة بين الإنسان والكون، تلك التي استمر جلال الدين الرومي، في تبيان طبيعتها الصافية، ومرجعيتها الخالصة في كونها مسألة مبنية على المحبة الصرفة، بعفوية لا يُمكن وصفها في اللغة، إلا من خلال تجربة تقودها رغبة الإنسان في تحقيق الاتصال مع ذاته، وجميعها مكونات جمالية أشار إليها الموسيقار أمير حسين الملقب فنياً (سيد درويش) وفرقته، في أمسية موسيقية لاكتشاف الذات بتقنيات فنية بمسرح الفن الرقمي الواقع في سوق مدينة جميرا بدبي، مستخدماً تكنولوجيا تصميم اللوحات الاستعراضية المسرحية، كجزء تفاعلي مع السياق الموسيقي العام الذي تغنت به الفرقة بروحانية قصائد الرومي، والشاعر محمد حافظ الشيرازي، مقدمين مزيجاً بين موسيقى الجاز والموسيقى الشرقية، أي ما يطلق عليه «الجاز الشرقي» ذي الارتباط بالثقافة العربية والشرق أوسطية عموماً، وتضمنت الأمسية أداءً غنائياً يسرد تحديات الحياة وإمكانية وصول الإنسان إلى السلام الداخلي، وكيف يُمكننا أن نرشد أنفسنا للوصول إلى الحُبّ.
تجربة موسيقية
جاء استخدام التكنولوجيا التفاعلية، من خلال تمكن أكثر من 350 شخصاً من الحاضرين في الأمسية، من مشاهدة الرحلة الموسيقية بزاوية 360 درجة ولمدة 90 دقيقة، ما يعكس أحد النقاشات الثقافية الأكثر أهمية، حول أثر المشهدية البصرية في تأسيس تجربة موسيقية ورفاهية شعرية، تلعب دوراً جوهرياً في إيصال المعنى من الممارسة التأملية لقصائد الرومي وحافظ الشيرازي، مجسداً الهدف الرئيسي من الأمسية الموسيقية، فكل مقطوعة موسيقية جاءت بعنوان مفتوح، يتيح للمستمعين إسباغ حسهم الخاص عليه، وإعطاء معنى يعبر عن رؤيتهم للوجود، ومن تلك المقطوعات تمثلت ساحرية «الأزرق» وعمق «المحيط» ونور «الأمل» وديمومة «الرقص الصوفي» في دائريتها اللانهائية. فقد شهد الجمهور في كل مقطوعة مشاهد حركية تحمل سمات مضامين تلك الأشعار، إلى جانب التصورات الحسية التي يستشعرها الموسيقيون أنفسهم عبر تلك القصائد. وصممت اللوحات الاستعراضية المسرحية بمشاركة كل من المغنية ريشما سيجو، والعازف ساندو بان، والعازف راجو لسريبال، والعازف بالا سوبرا، والعازفة سنيحا كريشما، بقيادة الموسيقار سيد درويش.
لمسة استعراضية
اكتملت مقومات العرض المسرحي، بإضفاء لمسة استعراضية قدمها مجموعة من الموهوبين الشباب، من خلال تنفيذهم لرقصات صاحبة المقطوعات الغنائية والموسيقية، ما جعل الأمسية تتخذ من الحالة الإبداعية في عمومها طابعاً مسرحياً غنائياً بنكهة روائية وقصصية، فكل مؤدٍّ مثل الشخصية الجوهرية لمكنون القصيدة، من خلال أنه عايش تحديات النزاع الأبدي بين النفس ورغباتها، والعقل وأحكامه، وحدس الذات وتأكيد إحساسها، وكيفية استحضار حالة التحرر وإعادة اكتشاف الإنسان لطبيعته وقوته عبر اتصاله العميق بلحظة الحياة الآنية، وبين العمل الاستعراضي ككل وفعل الجسد وحركته، باعتباره سمة وجودية تهدي الإنسان مقدرة على التعبير، وفي الوقت ذاته، إرادة لتطوير التجربة الإنسانية من خلال تحقيق المحبة، وأكثر ما يُمكن ملاحظته في الأمسية الموسيقية، هو الالتزام الذي يبديه الموسيقار سيد درويش، إزاء إحداث التأثير في علاقة الموسيقى بطابعها الاحتفائي، بالمسرح وقدرته على تجذير ارتباط الإنسان بأرض الروح، من خلال فلسفة التعابير الجسدية، وقوتها في إيصال المشاعر الإنسانية.
لغة داخلية
انطلقت الأمسية الموسيقية بكلمة ترحيبية قدمها القائمون على مؤسسة السعادة العالمية، المتخصصون في علم التأمل الفسيولوجي، وشجعوا فيها جمهور الحدث نحو الاستمرار في الاهتمام بالمشاركة الاجتماعية والثقافية للتأملات الموسيقية، والمناقشات المعرفية، لإدراك قيمة المسيرة الروحية في مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، حيث يعد نشاطاً مهماً، لفهم الطبيعة البشرية، وخلق لغة تفاهم داخلية بين الإنسان ونفسه ومحيطه الاجتماعي والثقافي.