السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ستيرلنج روبي.. يبحث التعبير المفاهيمي عبر السرد التاريخي

مشهدية بصرية آسرة من معرض «ما وراء الحدود» (تصوير: إحسان ناجي)
10 يوليو 2023 00:56

نوف الموسى (دبي)

التفكير باللغة العالمية عبر الوسائط الفنية المتعددة؛ يمثل نسيجاً بصرياً يحمل في جوهره رغبة خاصة بإحداث تواصل فكري وحسي قابل للتأويل، وفق التجارب الإنسانية بمختلف المجتمعات والبلدان والفضاءات الفنية، وهي رؤية سعى إليها الفنان الأمريكي ستيرلنج روبي مواليد عام 1972، عندما حضرت أعماله الفنية لأول مره في منطقة الشرق الأوسط، ضمن معرض «ما وراء الحدود» في مجموعة أولينز في كونكريت، ضمن البرنامج الثقافي لسركال آفنيو، بمدينة دبي. ومنه جاءت أهمية المقاربة بين القراءة النقدية للمكون الرئيسي لطبيعة أعمال روبي، ودور التعاونات الفنية الدولية في إثراء المشهد الفني المحلي بدولة الإمارات، خاصةً أن المعرض نُظم وقتها برعاية الشيخ زايد بن سلطان بن خليفة آل نهيان، مؤسس «UAE Unlimited»، المعنية بتطوير ودعم الممارسات الفنية، من خلال التعاون الاستراتيجي مع المنظمات الفنية والممارسين الثقافيين العالميين، وذلك بالشراكة مع Ullens Foundation.
تحفيز الرائي
أعمال الفنان ستيرلنج روبي التي عرضت في السركال أفنيو، تعد جزءاً من مجموعة جاي وميريام أولينز دي شوتن، فاعلي الخير البلجيكيين وجامعي التحف من يعيشون في سويسرا. ورغم الجمالية البالغة في الامتداد الأفقي لحالات الرذاذ المنثورة بانسيابية الماء في الأفق البعيد لأعمال روبي، والتي يلحظها المشاهد من خلال لوحات كبيرة بلغ طولها الإجمالي حوالي 30 مترًا، إلا أنها أنشأت استفهاماً تعبيرياً في توترها المفاهيمي، ومروياتها التاريخية، والتي بطبيعتها تحفز الرائي للبحث عن التحولات الخاصة بالمجتمعات وتأثيرها على محيطه، وذلك بعد أن يدرك أن بحث الفنان ستيرلنج روبي ورؤيته قائمة على منهجية مرتبطة بمفاهيم المجتمع الأمريكي ومتغيراته على مر العقود، وما أسسته من تجارب شعورية بين مختلف القضايا المتناقضة.
 يذكر أن الفنان ستيرلنج روبي، تخرج من كلية بنسلفانيا للفنون والتصميم في عام 1996، وحاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة من مدرسة معهد شيكاغو للفنون في عام 2002، تلاه درجة الماجستير في الفنون الجميلة من كلية ArtCenter للتصميم، باسادينا، كاليفورنيا في 2005، ما يجعل الحديث عن فترة «الطفولة» في بنسلفانيا تحديداً، من قبل الفنان ستيرلنج روبي، باعتبارها المكان الذي تشكلت فيه أولى الدوافع الكامنة للتعبير، دونما محيط ثقافي حقيقي بحسب وصف الفنان، فهو لم يعيّ حينها أنه هناك ما يُمكن أن يتحرر من خلاله الإنسان ويكون بمثابة تعبير شخصي متفرد، يشعره بالحرية ويدعى فناً، وعملاً مستقلاً بدوام كامل، لافتاً أن الأمر لا يعني أن المحيط الثقافي لم يكن موجوداً بالضرورة عندما كبرت. 

بساطة الهمس
بالعودة إلى تأملات سلسلة الرسم بالرش في المحيط الجرافيتي للأعمال الفنية، نتوصل إلى تصورات الفنان ستيرلنج روبي عبر الإمكانية التعبيرية من إعادة تشكيل نماذج الوسائط المختلفة، من خلال الارتقاء بالجدار في الثقافة الشعبية كحالة من التمرد، إلى صفاء مليء ببساطة الهمس المدوي القادر على سرد القضية وآفاقها بتجريد عالي، وهي أقرب إلى فلسفة دمج الأعمال مع فن الشارع، وقد ساهمت السنوات الطويلة التي عمل فيها الفنان ستيرلنج روبي، بوظيفة «عامل» قبل أن يصبح فناناً، يشارك في مشاريع كبرى، مثلما كان يعمل والده قبله، في فهم معنى دمج الأشياء، وإعادة تدويرها، وصياغتها فكرياً عبر الثقافة الحضرية والعمل باستخدام اليد، مثلما هي الحرف، وفسرها جميعها كعناصر رئيسية في أعماله المكونة من مواد صلبة وناعمة، وأشكال مسطحة وسميكة، فبالنسبة له فإن تعددية الوسائط مهمة، لأن اختياره لوسيط بذاته، يأتي استجابة لما يلائم الفكرة التي يثريها الزمن.
حالة اكتشاف
ينظر الفنان ستيرلنج روبي لأعماله الفنية، ويرغب بالعودة إلى شيء ما فيها، كما أوضح في حديث سابق له حول تجربته، مبيناً كيف أنها تشعره بالارتياح، بأنه حالياً في غمار شيء ما، موضحاً أن العمل يتطور بشكل عضوي وطبيعي ولكن يتوجب عليه أن ينطلق من مكان معين، وعلى الفنان أن يتوقع حصول شيء ما قبل أن ينهي العمل، وهي دائماً بمثابة حالة اكتشاف خصوصاً عندما يرغب الفنان ببدء شيء جديد. ما يدعونا كمتابعين ومهتمين من بيئة فنية مختلفة في جغرافيا مغايرة، أن نبحث في الأسلوب الفني للفنان ستيرلنج روبي، ونقرأ مسيرته الفنية وتعاطيه مع الفضاء والعمارة واللون، كيف لطفل لم يذهب لمتحف أو غاليري، واستمر في صناعة الأشياء على ملابسه التي كان يرتديها، وهل هناك تأثير لعمق علاقته بجدته ووالدته، بجعله يرى بأنه أصبح فناناً لأنه بالضرورة محظوظ، ما ينقلنا إلى أن المحفزات الإبداعية في المدينة الحديثة مسألة ضرورية وجيدة، لبناء ركيزة أساسية للفنانين الناشئة، إلا أن الدوافع الاجتماعية ومتغيراتها المفصلية على حياة الفرد، تكاد في الكثير من الأحيان ما يشبه الضغط المجتمعي الذي يصل فيه الشخص لمرحلة يضطر فيها لاكتشاف طريقته الأسمى في التعبير، كيفما كان شكل التعبير وأبعاده مع الوقت. 

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©