د. نزار قبيلات
غلاف الكتاب الأزرق، الظلام الدّامس في أطرافه، هيئة الجنود وهم ينفذون إنزالاً جوياً نحو قارب صغير تتقاذفه أمواج هائجة، المروحية العسكرية التي تغادر ليلاً أحد شواطئ عدن، الأضواء الخافتة التي لمعت على سطح البحر، كل هذا شكل عتبة نصية جاذبة لكل من سيقرأ قصة تحرير مدينة عدن التي عاشت 25 يوماً من السهر والخطر والتربص، 25 يوماً قرر فيها الرفاق الوفاء لرفاقهم الشهداء بانتصارٍ يُخلّد ذكرهم وأساميهم التي ستحفر بالقلب عنواناً للشجاعة والإباء والسؤدد.
اللغة الواثبة والتفاصيل الحاسمة الدقيقة التي شَعرَنها المؤلف وأحسن التقاطها المترجم، هي أسلوب هذا الكتاب الذي بُني بطريقة روائية كان فيها الراوي شاهداً موضوعياً خَبِر كل اللحظات التي مرت على أفراد قوة النخبة الإماراتية وقادتِها الشجعان، فقد عاين «مايكل تاينس» لحظات الانفراج وكذا لحظات الانقباض، أوصل القرّاء معها إلى لحظات كنّا نظن حينها بأن العملية العسكرية ستلغى، ثم يأتي الإصرار والعزم على هيئة قائد إماراتي قاموسه لا يعرف التراجع أو الانسحاب وإن فرضت المعطيات على الأرض أحياناً لحظات انسدادٍ للأفق قد تجعل قرار إلغاء المهمة وارداً.
فالكاتب الذي عمّق في سرده البحث في التفاصيل العسكرية من الناحية الجغرافية والعسكرية والإنسانية لم يقفز عن التداعيات التي أدت إلى المهمة العسكرية هذه من خلال فهمه الواسع لتعقيدات الموقف اليمني وتشابكاته الصعبة، فقد قَدّم الكتاب وبأسلوب سردي تصاعدي قصة تحرير مدينة عدن فوقف عند كل المفاصل الزمنية والمكانية المتعلقة بالعملية الشجاعة التي نفذتها قوات النخبة الإماراتية والمقاومة اليمينة الحليفة فلم يأتِ كتابه السّيري هذا تقريرياً أو توثيقياً بل جاء درامياً يعتمد الدقة والموضوعية في آن.
الكتاب سرديٌّ كما ذكرنا مفعمٌ يثير التشويق في نفس القارئ حتى إنه يمنعك من التوقف عن القراءة، فكاميرا السارد رصدت بإحكامٍ كل لحظات الذروة والانفعال التي يرتفع معها الأدرينالين وهو ما يجعل قارئ الكتاب بين مد وجزر، فما أن تنتهي عقدة حتى تأتي أخرى أكثر لهيباً وإثارة للحماسة، فعلى رغم كمّ المعلومات والأسماء والتواريخ والأرقام التي شكلت مادة الكتاب فإن الأسلوب الروائي الذي يأتي على شكل صورٍ فنية ومجازات أدبية جعل من الكتاب طرحاً مختلفاً.
أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية