سعيد ياسين (القاهرة)
في معرض «مدن الطين - ثوب أمي»، سار الفنان التشكيلي السوري إبراهيم الحسون بلوحاته الثلاثة والعشرين، على النهج التجريدي نفسه الذي يعيد العناصر إلى طبيعتها الأولى، ويحولها إلى مساحات وخطوط وألوان.
وبدت الدرجات الرمادية في اللوحات كتلال عامرة بالكائنات، والأزرق سماوات مفتوحة، أما الخطوط المرسومة فظهرت وكأنها قطعان من الحيوانات تفر هاربة، بينما تشي أخرى بأسراب من الطيور تحلق في فضاء أرجواني، وفي اللوحة يمكنك أن تتبين أشباحاً لبشر عابرين ومحاطين بسحابات سقطت لتوها من السماء، خصوصاً أن اللوحة عنده تفتح مسارات من الخيال وأسباب لإعادة بناء المشهد أو اختلاقه.
قال الحسون لـ «الاتحاد الثقافي»، إن حضور مدن الطين وثوب الأم في تكوينات اللوحات، لم يكن تخيلياً، بل مادي ملموس، نتبينه في تركيب الخامات التي يوظفها في تشكيل العمل، وهذا ليس سوى وسيلة للفعل البصري واستحضار الصور العالقة في الذاكرة.
وأشار إلى أنه قبل التحضير للمعرض، الذي يقام حاليا في القاهرة، يعود إلى عام 1996، حين طلب منه المشرف على مشروع تخرج بأن يقدم نفسه بشكل صحيح ويحكي لغته التشكيلية لتكون قريبة منه وتعبر عنه، واستعاد بيته الذي ولد فيه وكان من الطين، وثوب أمه الحقيقي الموجود معه منذ خروجه من منزله في حلب بعد القصف.
بساطة وتناغم
أوضح الحسون، أنه بحث عن الأشياء التي تشبهه، فالبيوت جزء من الأرض؛ لذا فهي قريبة من الروح والقلب، خصوصاً أن أبرز ما يميز البيئة الريفية أنها مفتوحة وبسيطة ومتناغمة مع الطبيعة، والذاكرة البصرية كانت مسكونة بكل هذه الأشياء البسيطة التي عاش طفولته في كنفها، بيوت طينية، ومساحات مفتوحة، وأفق ممتد إلى ما لا نهاية، لا حواجز أو تشوهات من شأنها أن ترهق البصر أو تقف حائلاً أمامه. وحرص على أن يكون اللون في غاية البساطة والتقشف، حيث في الريف اللون الطيني هو السائد، والألوان الصريحة ظاهرة ومؤكدة، فهي مكملة لبيئة متقشفة لونياً.
وأرجع الفنان السوري، سبب كبر حجم لوحاته، الذي تراوحت مقاسات الواحدة فيه بين متر وثلاثة أمتار، إلى أن التقنية التي يعمل فيها يناسبها البراح، ويشعر بالحرية ويتنفس أكثر في المساحات الكبيرة أو الفضاء، وهذا ربما يكون مرتبطاً بالوضع النفسي أو الظروف والضغوط التي مر بها.
نافذة إعلامية مجانية
الحسون فاز مرتين بجائزة البردة بدولة الإمارات، عن فئة «الخط العربي»، وشارك العام الماضي في ملتقى الشارقة الدولي لفن الخط العربي، وقال إنه يشارك بالصدفة، خصوصاً وأنه ليس خطاطاً، ولكن النص البصري شكل له دلالة مسبقة، حيث يقوم بتشكيل بيت شعر، ويصوغه تشكيلياً في لوحة، ويعترف بأن الجوائز تعطي أرضية للفنان، وتدفعه للأمام، وتدعمه تسويقياً وتمنحه دفقة بأن لوحته لها رصيد.
ويعتبر الحسون «السوشيال ميديا»، نافذة إعلامية مجانية، وتصل لأكبر شريحة ممكنة، ومع ذلك تظل المعارض موجودة، والمادة الحية هي الأساس، حيث البعد الروحي والملمس والشعور بحساسية الصورة وصوت الفرشاة وتداخل الألوان وغيرها، وهو ما يتحقق في المعارض، على عكس «السوشيال» التي تحتوي على الخداع، وسيظل العمل المباشر له مكانته ولا يمكن أن تغني عنه كل وسائل التواصل بما فيها الذكاء الاصطناعي الذي أسميه «الخداع الصناعي».
انتشار
عن معارضه في أكثر من دولة عربية وأوروبية، قال، إنه حين يقدم معارضه ولوحاته في أكثر من مكان، يفسح مجالاً لأن يتعرف الآخر على لوحته، ويرى ثقافته، ويكتشف أماكن لا يعرفها، فالانتشار مهم للفنان.
تخرج الحسون في قسم التصوير الزيتي بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1995، وحصل على دبلوم الدراسات العليا، ويشارك حالياً مع مجموعة من التشكيليين السوريين في معرض بالنرويج لتقديم أنفسهم وأعمالهم الابداعية إلى الآخر، بعدما أقام معرضه الفردي الأول في القاهرة، وشارك قبله في 7 معارض جماعية.