سعد عبد الراضي (أبوظبي)
رحل عن عالمنا الشاعر الإماراتي الكبير علي بن سلطان بن بخيت العميمي، بعد رحلة عامرة بالشعر وعشق الموروث الوطني الأصيل، حيث كان امتداداً لوالده الذي كان شاعراً بدوياً متنقلاً بين مناطق الإمارات الشمالية، وملهماً لنجله الشاعر والباحث سلطان العميمي مدير أكاديمية الشعر ورئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وعدد كبير من الشعراء الذين تتلمذوا على يديه من أمثال سيف السعدي الذي قال لـ«الاتحاد»: ليس ببعيد عن هذه اللحظة كان (القمر) في قصيدة (عوشة) يدرك بالمجاز أنها الشاعرة التي خطفت بتجلياتها نور المرحلة، ويوم أن استراح الأثل في عمود الشطر واستظلت حمامة الوادي بالقافية.
كان حادي مفردات الصحراء شاعر يحرث الأرض بمعول المطر، ويوزع ماء المعنى وسيول المتخيّل في مرامي الجفاف، حتى أدركت الطبيعة أنها لولا قصيدة الشاعر علي بن سلطان بن بخيت العميمي لعاشت في معزلٍ عن ينابيع الدهشة التي تتفجر في عوالم الشعر والأدب الشعبي.
رحلت (عوشة «فتاة العرب») يوماً، وجاء اليوم الذي نودع فيه شاعرنا علي بن سلطان بن بخيت العميمي، وبرحيله تفقد ساحة الشعر والتراث أحد روادها المخلصين، رحمه الله، والذي أعتدّ به من الآباء الروحيين لشعراء جيلي، وأحد من غرس بَذرة الأصالة في الهوية الإبداعية للقصيدة الإماراتية العريقة، إذ تتلمذت على يديه في بداياتي عند منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. رحل شاعرنا العميمي وأورثنا كنز تجربته التي بلا شك ستمثل منهلاً ورافداً معرفياً للأجيال في مجال الشعر والأدب، والمعروف أن الراحل هو والد أخينا الأديب والباحث والناقد الإماراتي سلطان العميمي.
وقالت الشاعرة والأديبة شيخة الجابري: فقد الشعر الإماراتي والخليجي شاعراً كبيراً احتفى بالموروث الشعري وفنونه والبيئة الإماراتية، وقدم العديد من الأعمال الشعرية التي ستبقى خالدة.
مسيرة إبداعية
ولد الشاعر الكبير الراحل علي بن سلطان بن بخيت العميمي في نهاية العقد الرابع من القرن الماضي، في منطقة برية قريبة من أحد موارد المياه التي تقع بين إمارتيْ رأس الخيمة وأم القيوين، وعاش طفولته مع والده، ثم انتقل للعيش مع عائلته وأخواله في مناطق البادية بإمارة رأس الخيمة، واعتمد على نفسه في مرحلة مبكرة من عمرة حتى استقر في دبي عام 1952.
بدأ الراحل رحلته الشعرية قبل أن يبلغ العشرين من عمره، وفي خمسينيات القرن الماضي تساجل مع العديد من شعراء الإمارات، ورافق بعضهم، مما كان له أثر كبير في الاعتراف بموهبته من قبل كبار الشعراء وقتها أمثال: محمد بن خلفان بن حزيم الفلاسي، وحمد بن بدر العليلي، ومطر بالخيصي الكتبي، ومطر بن سرور الكتبي، ومبارك بن نواس الكتبي، وعيسى بن شقوي العليلي، ومبارك بن هاشل الخبصي، ومجرن بن سيف الكتبي، وسيف بن ثالث الحميري. كما كان الراحل في بداياته مشاركاً بصورة دائمة في فن «الرزيف»، المتعارف عليه في المناسبات الاجتماعية والأعراس، وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كان عضواً في عددٍ من البرامج الإذاعية والتلفزيونية المتعلقة بالشعر كبرنامج «مجلس الشعراء» في تلفزيون دبي، و«شعراء القبائل»، في تلفزيون أبوظبي، إلى جانب عددٍ من البرامج التي تقدم في المحطات الإذاعية في الشارقة ورأس الخيمة وأم القيوين. كما شارك في العديد من الأمسيات الشعرية، وصدر له ديوانان الأول صدر عن وزارة الإعلام والثقافة، بعنوان «ابن البادية»، عام 1993، أما الثاني، فقد صدر عن نادي تراث الإمارات، عام 2012، كما صدرت له الأعمال الكاملة من معهد الشارقة للتراث 2022 بعنوان: «ديوان الشاعر علي بخيت العميمي القصائد الذاتية الأعمال الكاملة».
غزارة شعرية
ويُعد الشاعر علي العميمي، من الشعراء الذين يكتبون بغزارة، كما كان ناقداً وظهر هذا جلياً في العديد من قصائده، حيث أشار إلى ضرورة أن يختار الشاعر الغرض الشعري بعناية، وأن تزخر الأشعار بالصور التي تليق بمكانة الشعر النبطي وجمهوره، كما كان مهتماً في قصائده بالبادية وما اشتهر فيها من فنون مثل: «الونة والتغرودة والردح والعازي»، وتنوعت أغراضه الشعرية بين الغرض العاطفي، والمدح، والشعر الاجتماعي، والقصائد الذاتية.