سعد عبد الراضي (الاتحاد)
كُرّم مساء أمس الأول، في فرنسا، الشاعر نوري الجراح لحصوله على «جائزة ماكس جاكوب» الشعرية فئة الشعر المترجم، التي تعد أرفع جائزة شعرية فرنسية، عن كتابه «ابتسامة النائم»، الذي صدر في 2022 عن منشورات «آكت سيد» الفرنسية المعروفة ضمن سلسلة «سندباد»، والكتاب ترجمه أنطوان جوكي إلى الفرنسية، ويضم قصائد كتبها الجراح من عام 1988 إلى 2019، في مجموعاته: مجاراة الصوت 1988، «كأس سوداء» (1993)، «صعود أبريل» (1996)، «حدائق هاملت» (2003)، «الحديقة الفارسية» (2004)، «طريق دمشق» (2004)، «يوم قابيل والأيام السبعة للوقت» (2012)، «يأس نوح» (2014)، و«قارب إلى ليسبوس» (2016)، و«لا حرب في طروادة» 2019.
وتعد جائزة ماكس جاكوب من الجوائز المهمة منذ إطلاقها عام 1950، وتمنح لشخصيات فكرية وشعرية عربية وعالمية وقد سبق أن حازها: جاك دريدا وبرنار نويل وأدونيس وسليم بركات وعيسى مخلوف.
والشاعر نوري الجراح يعد واحداً من أبرز الشعراء الذين يكتبون القصيدة الحرة الحديثة، وتتجلى ثقافاتهم الواسعة في المضامين الشعرية التي يكتبونها، كما أنه من خلال أعماله الشعرية الكاملة التي أصدر منها ثلاثة أجزاء حتى الآن، تستطيع أن تقول للوهلة الأولى إن تجربته الشعرية خاصة جداً وتمثل ذاته المبدعة، وأنه يكتب شعره بلغة وجودية لا تنفك عن ماضيها ولا تغفل حاضرها، وينطلق من خلالها إلى عوالم من ألق وعبق، فهو يحمل في ذاته ثورة شاعر يعبر جسر الألم على جناح القلم، دون أن يجرح به أحداً في طريقه مكتفياً بترك أثر يقتفيه أحد العابرين في زمان ما، ليكون شعلة لاكتشاف ما لم يكتشف، بالإضافة إلى كونه شاعراً متحققاً لا يكتب من الريح بل يكتب فيها، مقتنصاً اللحظة الثابتة ليعيد إليها الحياة ويجعلها قادرة على صنع حيوات أخرى، تجيب على تساؤلات هذا الوجود وتفك ما يستطاع من شيفراتها المتعبة بالفعل الإنساني.
شعر الأشياء اليومية
وبهذه المناسبة، قال نوري الجراح، في حفل تتويجه بجائزة ماكس جاكوب بباريس أمس الأول: عندما تنسج القصيدة الشال للمرأة والوسادة للطفل والكرسي للمسن عند باب البيت، عندما ترمي القصيدة فتات الخبر للطائر، وتبني المحطة للقطار الذي سيصل غداً بالعائد من الغياب. عندما يرتب الشعر الأشياء اليومية الصغيرة بكلمات لم تسمع من قبل، عندما يصنع الشعر الدهشة وعندما يخز الضمير ويوقظ الحواس ويلهب الخيال، إنما هو يصنع المعنى.
الكتابة الشعرية
وعن تجربة الجراح يقول الناقد العراقي حاتم الصكر إن «تكريم الشاعر بجائزة، هو أولاً فوز للقصيدة، وللتحديث الذي تتبناه.. ذلك كان إحساسي الأول عند سماعي نبأ تكريم الشاعر نوري الجراح. عرفت الجراح منذ الثمانينيات. وكانت تجربته الشعرية قد اتخذت ملامحها، وترسخت ضمن رعيل من شعراء الحداثة ممن جمعتهم هموم مشتركة تتركز في تطوير قصيدة النثر العربية، والذهاب بها بعيداً عن الغنائية الفجة والإيقاعية الشفاهية والمنبرية، جيل يمثل الجراح أحد أصواته المميزة».
وقال الكاتب المغربي عبدالقادر الجموسي، الذي وضع قبل سنوات دراسة وافية في شعر الجراح صدرت في كتاب «ما الذي يحدث في حدائق هاملت»، إن «نوري الجراح صوت متفرد في سماء الشعرية العربية المعاصرة. يتميز شعره بحوارية عالية مع العالم، وتلاقح خصيب للأصوات وأجناس التعبير الشعرية، المتراوحة بين الغنائية العذبة والتعددية الدرامية والنبر الملحمي العالي».
وقال عنه الناقد والمفكر السوري أحمد برقاوي: «حين تعلن لجنة جائزة ماكس جاكوب الفرنسية عن منح جائزتها للشاعر نوري الجراح، فإنها تعلن في الوقت نفسه عن موقف من الشعر المنتمي إلى الفرادة الجمالية وإلى الهمّ والقلق الوجوديين، وإلى الحياة كما يجب أن تكون، وإلى تراجيديا الإنسان العربي التي جعل منها نوري ملاحم ربط بينها وتلك الملاحم الأسطورية القديمة لشعوب المتوسط، فكانت ملاحم عن الحياة المعيشة التي تشهد كفاحاً من أجل الحرية والحق».