سعيد ياسين (القاهرة)
الفنان البحريني علي الصميخ، واحد من أمهر رسامي البورتريه العرب بموهبة متميزة، وجد ضالته في فن الكاريكاتير، يحاول الارتقاء بلغة إنسانية من خلاله، لنشر البهجة والفكاهة الراقية بدلاً من ثقافة العنف الرائجة، لإيمانه بأن فن الكاريكاتير يجب ألا يتنازل عن دوره التنويري.
وقال الصميخ في حواره مع «الاتحاد الثقافي» إنه اطلع على الكثير من التجارب العربية والغربية التي تأثر بها في فن الكاريكاتير، لرؤيته أن المنجز الإنساني المتنوع متشابه، ولأن تفكير رسامي الكاريكاتير يعتمد على النقد واستخدام أدواته المحركة والمستفزة لتحريك العواطف، وإنه يعشق الخوض في المقارنات بين الفنانين العرب والعالميين، لإدراكه بأن رسام الكاريكاتير يحاول دائماً أن يقاوم لتوسيع مداركه ومساحة الحرية التي يبحث عنها، وأنه يومياً يتعلم من التجارب الغزيرة لتصقل شخصيته الفنية بشكل أكبر.
فن صدامي
وعما اذا كانت توجد روابط بين الشخصيات التي يرسمها، خصوصاً وأنه رسم عدداً كبيراً من الشخصيات الفكرية والفنية في معرضه الذي أقامه مؤخراً في القاهرة، قال الصميخ إن الشخصيات التي تناولها مؤثرة جداً، وتركت بصمات عبر حقب تاريخية متنوعة في الفكر والأدب والفلك والفيزياء والكيمياء، وبطبيعته لديه فضول لتعلم كل شيء، وكل ما هو مستجد.
ويرى أن فن الكاريكاتير بالأساس خلق ليصطدم، لتغيير ما هو قائم وإحداث مستقبل أفضل، وهذا ما يعنيه بالنسبة له، وطالب بضرورة أن لا يفكر فنان الكاريكاتير في الحيز الضيق، لأنه كلما توسعت مداركه ومعارفه يجب أن يزيد تأثره بالمحيط وبجميع الفنون، وبالتالي يكون لهذا الأمر إسقاط على شخصيته واختياراته.
وتحدث الصميخ عن الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ الذي رسم له بورتريهات كثيرة، وقال إنه تناوله من منطلق أدبي إبداعي، حيث قرأ في البداية له واطلع على سيرته الذاتية ومقابلاته، وحاول فهم كينونته، وبعد الرسمة الأولى شعر بشيء ما لم يكتمل، فتناوله مرة ثانية ثم ثالثة ورابعة، فمع شخصية أديب نوبل لا يستطيع أن يشعر بالممل من تكرار رسمها، حيث توجد خصائص في الملامح يتميز بها لا يستطيع تجاهلها، ويوجد بينه وبين محفوظ غموض يحاول تفكيكه برسم الكاريكاتير الذي يتناول هذا الجانب الفلسفي من ناحية بصرية، ويسعد بالمناكفات والصراع الذاتي بينه وبين الشخصيات.
مخزون معرفي
وكشف الفنان البحريني عن أن الجميل في الكاريكاتير، خصوصاً البورتريه أنه لا توجد فيه قواعد، ورغم أنه ينطلق من أسس تشريحية يجب أن يطلع عليها الفنان، لكن المبالغة وإبراز حس الفكاهة المتعلقة بالشخص وأمور أخرى تتعلق بعلم الفراسة، يراه ملكة يستطيع الفنان أن يتجسدها مع المزاولة والاستمرارية والمخزون الثقافي والمعرفي الذي يتكون عنده من خلال التجارب الفنية.
وأشار الصميخ إلى أنه يركز على قاعدتين في رسوماته، هما الحس الفكاهي في الشخصية، ومحاولة التقاط خطوط مختزلة وبسيطة في أقصر وقت زمني، وهذا يعطي نبضاً للشخصية والخطوط، وتكون فيها روح أكثر لأنها سريعة الإنجاز، ويستمتع برسم مختلف الشخصيات، ويسعد حين يجد ردود فعل مباشرة بينه وبين المتلقي، لأن هذا يعطيه تلقائية في رد الفعل، فلا توجد خلطة سحرية عند الفنان، هي ملكة ويصعب تفسيرها.
تجربة مؤثرة
توقف الصميخ عند من تأثر بهم خلال رحلته الإبداعية، وقال إن الفنان ناجي العلي كان أول تجربة مؤثرة في حياته، خصوصاً وأن ما شكله من تراجيديا إنسانية بالدرجة الأولى وتطبيقه للمبادئ الإنسانية، كان حالة فريدة من نوعها، حيث ابتكر شخصية بلا ملامح، مثل «حنظلة» حظيت بشهرة واسعة ومثلت جزءاً من التراث الفلسطيني، ورغم أن كثيراً من الفنانين العرب ابتكروا فيما بعد شخصيات، ولكنها لم تكن بقوة تأثير العلي الذي نجد حتى الآن الإسقاطات في رسوماته، وكان لديه مخزون فكري ومعرفي وإنتاج هائل تأثر به أكبر رسامي الكاريكاتير العرب.
وأوضح الصميخ أنه تأثر أيضاً بمصطفى حسين وطوغان ومحيي الدين اللباد وجورج البهجوري، فهم مدارس متنوعة، وكتلة مثلت تاريخ فن الكاريكاتير المصري بمن فيهم الذين أتوا من الخارج وعاشوا فيها، مثل صاروخان ورخا، فمصر بيئة خصبة لكل رسامي الكاريكاتير لينتشروا ويتفاعلوا ويؤثروا ويتأثروا في هذا المجال، كما أشاد بتجارب محمد الزواوي من ليبيا، وقاسي رشيد من الجزائر، وتجارب عديدة استوقفته وحاول التعلم منها، كما أشاد بالرسام الفرنسي أونورييه دومييه الذي يعتبره الأب الروحي لفن الكاريكاتير الحديث.
واختتم الفنان البحريني حديثه لـ «الاتحاد» بأن الجوائز والتكريمات تمثل دافعاً قوياً لرسام الكاريكاتير، وتعطي تعزيزاً للثقة بالنفس، ومسؤولية لتقديم الأفضل، وأن الفنان يسير على النهج الصحيح.