عدد اليوم
يظل اسم كولومبوس اسماً جدلياً، فهو مكتشف أميركا ابتداءً، ولكن هذه الصفة تتعرض لتفنيد تاريخي من الباحثين وتتوالى الدراسات التاريخية تشير إلى شخصيات وإلى جماعات وصلوا إلى أميركا قبل كولومبوس، ثم إن كولمبوس لم يسلم من مغبات اكتشافه إذ ارتبط صنيعه بذاكرة الاستعمار والغزو وسلب خيرات الأرض، وكانت رسائله وهو يتقدم في كشوفاته تفيض في وصف الكنوز من الذهب والمجوهرات ووصف جمال الأرض ونعيمها، وكأنه يتعامل مع بضاعة تغري بحس الغنيمة والكسب، وتعد بمزيد من فرص الهيمنة والتمصلح ضد سكان الأرض الأصليين الذين تعرضوا للسبي والنهب تحت تصرف ثقافة المكتشف، وهي ثقافة استعمارية تجعل الاكتشاف استيلاءً مطلقاً وملكيةً مطلقةً لأوروبا البيضاء التي أخذت في التكشف والتعرف على زمن جديد وأرض جديدة وثراء جديد، ورغم أن هذا كله مكاسب تجارية بكل الصيغ الممكنة لمفهوم التجارة والمتاجرة والاتجار بالأرض والبشر، إلا أن المجد الدنيوي مربوط بالكسب والغلبة، وإن تم ذلك بطرق غير شريفة، وتمخض هذا عن تحول تاريخي في حياة الثقافة البشرية هاجرت معه أوروبا بلغتها ودينها وثقافتها وبشرها ليصنعوا بذلك نسخة أخرى لأوربا العجوز، وجاءت الحفيدة لتكون أعظم من جدتها ولتكون الحامية لأوروبا في حربين طاحنتين سميا بالعالميتين، مما يعني أن أوروبا هي المعنى العالمي الذي أورثته للمهاجرين من بنيها، فأصبح المهاجرون سادة المكان الجديد، ومن ثم بسطوا سيادتهم على العالم القديم ثقافياً واقتصادياً بمثل ما هو سياسي وعسكري، وهذا هو ميراث كولومبوس الذي تحول من مكتشف إلى غازٍ مستعمرٍ جعل المتظاهرين في ميادين أميركا مطالع القرن الحادي والعشرين يهشمون تمثاله ويرمونه في البحر، لأنه أصبح رمزاً لمعاني التسلط والقمع والتمييز بين الناس تبعاً للون وللعرق وللدين، وهكذا يتحول عمل عظيم إلى تشويه عظيم، وهو في أصله كشف لعالم جديد وقارة هي مخزن للخيرات والنماء، ولكن الخير يتحول إلى معنى شرير، لأن أوروبا التي أرسلت كولومبوس أرسلت معه وبإثره كل مطامعها المختزنة منذ قرون في الغلبة والهيمنة والاستعباد، ووجدت ذلك متاحاً وميسراً في أرض جديدة لا تستطيع الدفاع عن نفسها واستسلمت للأوروبي الغازي وسهلت له الهيمنة، مما أشبع جوع أوروبا وأشبع غطرسة الرجل الأبيض ليزعم بسبب هذا أنه الأعلى والأرقى عرقاً ولوناً وثقافة.
