هويدا الحسن (العين)
رغم أن فن المونودراما يعتبر فناً حديثاً نسبياً، إلا أن إرهاصاته الأولى تعود إلى بدايات المسرح عند الإغريق، حيث كانت المسرحيات في بداية الأمر تقوم على ممثل واحد فقط حتى جاء اسخيليوس وأضاف الممثل الثاني، ثم أضاف يوربيدس الممثل الثالث، لكن على الرغم من ذلك فإن الفارق كبير جداً بين مسرح الممثل الواحد قديماً ومسرح المونودراما في العصر الحديث.
تعرف المونودراما بأنها دراما الممثل الواحد وهو التعريف الأقرب للواقع، حيث توجد تعريفات أخرى تصفها بأنها دراما الشخصية الواحدة، ويعرفها سمير الجلبي في معجمه الخاص بالمصطلحات المسرحية، حيث عرف المونودراما بأنها «دراما الممثل الواحد، المسرحية ذات الشخصية الواحدة المتكاملة العناصر التي يؤديها ممثل واحد أو ممثلة واحدة ويقدم فيها دوراً واحداً ويتقمص أدواراً مختلفة».
ضرورة ملحة
لكن ما الذي أدى إلى ظهور هذا الشكل المسرحي الذي يعتمد على ما يشبه المونولوج تؤديه شخصية واحدة فقط، وبالتالي الاستغناء عن الحوار الذي يبرز تصاعد الصراع الذي يمثل أساس الدراما في العمل المسرحي؟
قد تختلف الإجابات على هذا التساؤل، لكن جميعها يصب في أن المسرحية كشكل من أشكال الفنون والآداب قد اتخذت خلال مراحل تطورها المختلفة أشكالاً فنية عدة لتتناسب مع طبيعة العصر والأفكار السائدة به، فقد كان المسرح باعتباره الفن الأقدم والأكثر انتشاراً في العصور القديمة انعكاساً للصراعات النفسية والفكرية والاجتماعية والحياتية. ويرى الدكتور حسين علي هادف في كتابه «فلسفة التاريخ في الدراما التاريخية» أن المونودراما نشأت كضرورة ملحة لتعبر عن حالة الاغتراب الذي يعيشها الإنسان المعاصر، حيث يقول: في العصر الحديث صار الاغتراب سمة جوهرية للإنسان المعاصر، فما كان أن عكس الإنسان شعوره بالاغتراب من خلال نتاجه الفكري والفني والعلمي، وقد انعكس ذلك جلياً في ميدان الدراما والأدب المسرحي الذي شهد ظهور اتجاهات ومذاهب درامية ومسرحية تعبر عن غربة الإنسان المعاصر في عصر الإيديولوجيات والحرب والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والحضارية.
يؤكد هادف أن ظهور بريخت بمسرحه الملحمي قد جعل من فلسفة الاغتراب تقنية درامية ومسرحية، نقل فيها فعل الاغتراب من الشخصية الدرامية إلى المتفرج من خلال ما أسماه بالتغريب، ومع ظهور فلسفة الاغتراب كان من الطبيعي ظهور شكل فني يحتويه ويقدمه في جوهره منسجماً معه ومتداخلاً به، فظهر مسرح العبث في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وقدم مسرحيات قصيرة من شخصيتين وبعض المسرحيات من شخصية واحدة، كما عند بيكيت ويونسكو وآخرين.
وظهرت المونودراما لأول مرة على يد الممثل الألماني برانديز ما بين عامي 1775- 1780 لكنها لم تتبلور إلا مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الذي يعتبر الفترة الحقيقية لبلورة ذلك الشكل الدرامي والمسرحي والذي تزامن مع ازدهار الدراسات النفسية والاهتمام بعلم النفس.
واستقطبت المونودراما العديد من الأسماء البارزة في عالم المسرح مثل تشيخوف وبيكيت وجان كوكتو وهارولد بنتر وآخرين، مما جعل منها تياراً فنياً ومسرحياً مهماً ورئيسياً، حيث اعتبرها كثير من النقاد أحد الاتجاهات المسرحية الرئيسية في العصر الحديث.