السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نشأة المسرح.. والطقوس الملهمة

نشأة المسرح.. والطقوس الملهمة
23 مارس 2023 02:16

هويدا الحسن (العين)

كتب أرسطو، الفيلسوف اليوناني الشهير والناقد المسرحي الأول الذي وضع مبادئ فن المسرح في كتاب الشعر: «إن لدى الناس منذ الطفولة غريزة التشخيص ومن هذه الناحية يختلف الإنسان عن الحيوانات في أنه أكثر منها قدرة على المحاكاة، وأنه يتعلم أول دروسه عن طريق محاكاته للأشياء، ثم تبقى تلك المتعة التي يجدها الناس دائماً في التشخيص». ولكن متى نشأ المسرح، وأين؟ سؤال قد يبدو بسيطاً، ولكن الحقيقة أنه لا توجد له إجابة قاطعة، فقد ذكر الأرديس نيكول في كتابه «المسرحية العالمية»، أن الإرهاصات الأولى لنشأة فن المسرح كانت في مصر القديمة، حيث عثر على قصاصات لتمثيليات دينية كانت تمثَّل في أبيدوس في الألف الثانية أو الثالثة قبل الميلاد تخليداً لذكرى موت أوزوريس. ولكنها نصوص غير مكتملة، كما أنها كانت تقدم داخل المعابد بمعرفة الكهنة من دون وجود جمهور من العامة؛ ولذا تعود نشأة المسرح الحقيقية إلى بلاد الإغريق، ومع ذلك يؤكد أن قدامى كتاب المسرح اليونانيين كانوا مدينين بدَين كبير في موضوع مسرحياتهم وشكلها للممثلين من رجال الدين الذين كانوا يمثلون المسرحيات المقدسة في مصر القديمة. 

الحافز الأول
وقد ذهب باحثون إلى أن نشأة المسرح الحقيقية جاءت من الاحتفالات الدينية بـ«الإله» ديونسيوس إله الاخضرار وملهم طقوس الابتهاج عند الإغريق، حيث كانت تقدم في تلك الاحتفالات رقصة الديثرامبوس، وهي عبارة عن رقصة جماعية أنشودية تؤديها جوقة من الرجال، عددهم خمسون فرداً، مقنعين بجلود الماعز. وتؤدى تلك الأناشيد بمصاحبة نغمات موسيقية وأداء حركي مع الرقص لعرض مشهد من حياة «الإله» ديونسيوس ومغامراته الأسطورية، ومع الوقت بدأ يدخل الحوار في ذلك الاستعراض ما بين أفراد الجوقة وقائدها، ومن هنا جاء أساس الدراما الذي تطور بعد ذلك إلى فن كامل متكامل.
وتُعد المباريات المسرحية التي أسسها الحاكم الأثيني بززتراتوس سنة 534ق.م  الحافز الأول لتبلور فن المسرح، وهو ما وصفه لويس فارجاس بأنه ضربة عظيمة من ضربات العبقرية لأمة ذات ذهن متوقد الذكاء، تربت على معرفة وحب الإلياذة والأوديسة للعبقري هوميروس.
وقد جذبت تلك المسابقات المسرحية الزائرين إلى أثينا من كل أنحاء اليونان في وقت الأعياد، كما أنها كانت الدفعة القوية التي ألهمت شعراء المسرح في تلك الحقبة بداية من أسخيليوس وسوفوكليس وحتى يوربيدس. ومن هنا نجد أن المسرح قد جاء آنذاك من رحم الطقوس الدينية، مثل أغلب الفنون الأخرى. ويرى لويس فارجاس في كتابه «المرشد إلى فن المسرح» أن الأصل الديني القوي للمسرح عامل يكتسي من الأهمية في المسرح أكثر مما هو مفهوم بصورة عامة، حيث إن لهذه الحقيقة علاقة وثيقة بشخصية وروح الدراما اليونانية القديمة التي استلهمت موضوعاتها من الأساطير الدينية.
وكانت العروض تقدّم في ساحة كبرى فيها مساطب خشبية على شكل دائري يتوسطها المسرح أو المكان الذي يؤدي فيه الممثلون والجوقة أدوارهم، وكانت تخصص مقاعد للكهنة، وخاصة كاهن «الإله» ديونسيوس الذي كان يُحجز له مكان مركزي في صدر المسرح مما كان يجعل العرض المسرحي احتفالاً طقسياً حقيقياً، أما الجمهور فكان يصل عدده أحياناً إلى أكثر من عشرين ألف متفرج وهي سعة المسرح الأثيني في تلك الأيام.

الممثل الأوحد
وكان المسرح في بداية الأمر يعتمد على ممثل واحد فقط غالباً ما كان هو نفسه مؤلف النص مثلما فعل ثيسبس في عروضه، والذي يرجع إليه الفضل في إدخال الممثل الأول أو الأوحد إلى العرض المسرحي. وكان يقوم بكل الأدوار معتمداً في ذلك على ارتداء أقنعة صنعت خصيصاً من الكتان، ثم جاء أسخيلوس بعد ذلك وأدخل الممثل الثاني وأصبح هناك ممثلان يؤديان الأدوار ويتبادلان الحوار مع الجوقة، وتبعه سوفوكليس الذي زاد عدد الممثلين إلى ثلاثة، وبذلك نشأ فن المسرح الذي يلقب بـ«أبي الفنون».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©