السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«رحل النهار».. مجاراة شعرية لمكابدات الزمن

مشهد من مسرحية «رحل النهار» (من المصدر)
15 مارس 2023 02:54

إبراهيم الملا (الشارقة)

افتتحت مسرحية «رحل النهار» لفرقة مسرح الشارقة الوطني بقصر الثقافة في الشارقة مساء أمس الأول الدورة 32 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وهو تقليد اتبعه المهرجان لتكريم الفرق الفائزة بـ«جائزة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي» في حفل الافتتاح، حيث حصد عرض «رحل النهار» جائزة المركز الأول بمهرجان المسرح العربي في نسختها التي نظمت في مدينة الدار البيضاء المغربية «10-16»، يناير الماضي. والعرض من كتابة إسماعيل عبدالله وإخراج محمد العامري، وهي أول مسرحية إماراتية تفوز بالجائزة التي تأسست سنة «2011»، وتتنافس للفوز بها في كل عام مجموعة من أفضل العروض المسرحية العربية.
ويبدأ العرض في نسج خيوطه المشهدية انطلاقاً من عتبة العنوان ذاته، المستندة على القصيدة الشهيرة للشاعر بدر شاكر السيّاب، فرحيل النهار يعني الدخول في مسارات معتمة وأجواء غامضة وحيثيات مريبة، لأنه وأمام هجمة الليل، تعجز الأبصار عن التعيين، وأمام فقه الظلام، تنطفئ العيون وتعمى القلوب. 

ملحمة تفاعلية
ووسط عتبات متعددة تالية أسّسها النص بتشعباته ثم السينوغرافيا بتفرعاتها، يجد المشاهد نفسه وسط ملحمة تفاعلية تحاكم أطلال الثورات المزعومة للخريف العربي، وما خلّفته من وجع وفوضى وإرث حافلٍ بالدم والفرقة والفتنة والشتات. وهنا يستعيد الكاتب إسماعيل عبدالله نصوصاً نثرية وقصائد أثيرة لشعراء وأدباء كبار أمثال: محمود درويش، والصغيّر أولاد أحمد، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وخلف الخلف، وغيرهم، ليمارس التفكيك الأيديولوجي والتشريح العقائدي للتيارات الفكرية المتطاحنة المنتمية لمنطقها الضيّق ولخطابها الأحادي، دون أن تنظر للتنوع البشري، ودون أن تلقي بالاً للحرية المصانة بالقانون الأخلاقي والعرف السويّ المتقبّل للآخر، والمتصالح مع ذاته المنفتحة والمتسامحة.
استطاع المخرج محمد العامري أن ينقل نبض هذه المراجعات والرؤى الناقدة لما حدث من خلال صياغته لمشاهد ترفع الحوار الشعري إلى مستويات عالية بصرياً وتجسيدياً، مستثمراً فضاء الخشبة لدمج المؤثرات السمعية والإضاءة المكثفة من أجل خدمة رسائل النص ومضامينه، فاتحاً المجال أمام الممثلين للارتجال وحرية الحركة واستخراج الكوميديا من قلب التراجيديا، لأن شرّ البلية ما يضحك، ولأنه من هول الحزن تشعّ الضحكة. 

تنويع مشهدي
إنها سخرية المآلات التي تجعل من المصيبة درساً، ومن المأساة عظةً، ولذلك رأينا في العرض ما يشبه التلاحم المرّ بين النقائض، فالعتمة يقابلها النور، والخوف يزاحمه الرجاء، واليأس يحضنه الأمل، وأمام هذه المرادفات الاصطلاحية المتنافرة، وظّف العرض كل أدواته التعبيرية والجمالية كي يضيء على الإشكالات الاجتماعية وعلى المعضلات السياسية في أوطاننا العربية، وكي يفتح كوّة ساطعة على السؤال الملحّ: هل انتبهنا للدرس القاسي، وهل حان الوقت كي نستمع لصرخة الضحايا، ونشعل الفنار في وعينا، مبحرين بسفننا المستقبلية نحو النجاة؟وجاءت الرؤية الإخراجية في هذا العرض المبهر في سياق متطور يصهر الماضي في أتون الراهن، ويستشرف المستقبل ضمن منهج مسرحي مبتكر وتنويع مشهديّ خلّاق، وكأننا أمام لوحة حافلة بعناق الكلمة مع الأداء وسط دراما متقّدة بالدهشة والانتماء الحقيقي للفن روحاً ومعنى ومقاربةً حسيّة وذهنية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©