فاطمة عطفة (أبوظبي)
كانت حكايات شهرزاد أنس المجالس والسهر منذ القدم، ولازمة الراوي «وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح» كانت تستثير لهفة المستمعين إلى مزيد من الحكايات التي تثير أشواق الكبار والصغار معاً. وقد تفطن العديد من كُتاب الرواية في الغرب، أكثر من الشرق، لأهمية تلك الحكايات وتأثيرها في إطلاق الخيال إلى أبعد الحدود، وهذا ما يتجلى بوضوح في بعض كتاباتهم.
القصة والخيال
وحول العلاقة بين الرواية وحكايات شهرزاد في «ألف ليلة وليلة»، وما هي نقاط اللقاء والاختلاف بينهما، يقول الأديب والروائي علي أبوالريش: في النهاية هي قصة، ولكنها قد تختلف بالتقنيات والفنيات والتناول، والمعروف في التاريخ أن الرواية جاءت أصلاً من صلب الخرافة، والخرافة وليدة الفلسفة، وكما يقول الفيلسوف الأميركي وليام غيتس: القصة ليست حقيقة موضوعية، بل هي طريقة تفكير.
ويتابع أبو الريش مشيراً إلى أن الإنسانية مرت بتحولات وتقلبات إلى أن وصلت في النهاية إلى بروز القوة الذهنية العظمى، وهي الخيال طبعاً. والخيال يجمع كل الحكايات سابقاً أو حاضراً، وقد عالج الإنسان قديماً ما يحدث في الطبيعة من ظواهر من سيول أو براكين أو زلازل وغيرها باتخاذ الأشباح كقوة متخيلة لحمايته من الظواهر الطبيعية، وبالتالي نشأ هذا الخيال وأمد العلماء بمصادر تصور على رغم ما قد يعيشه الإنسان من حالة خوف في الوجود. ولذلك اخترع هذا الخيال الذي جاءت منه القصة والرواية.
ويرى الفيلسوف البنيوي كلود ليفي شتراوس أن هدف الرواية هو التصالح ما بين الطبيعة والثقافة. ولذلك فإن الإنسان، في جميع العصور، سيظل محتاجاً إلى القص أو الخرافة مهما تطورت شؤون الحياة، وقدرة الفنون تمنحنا إمكانية تجاوز الحدود الخاصة بنا أحياناً، والانفكاك من بعض تحديات واقع الحياة. وقد تكون الحياة كلها، في بعض الأحيان، قصة وحكاية. والفلسفات قامت على الخيال. أما مسألة أن الغرب استفاد من حكايات شهرزاد أكثر من العرب، فقد أكد الروائي أبوالريش على أن الكاتب عندهم، في الغرب، يكتب غالباً، دون محاذير، ما يشاء لأن الخيال عند الإنسان جامح ومتى منعته أو حددت له الأشياء فقد تفسد قوة إلهامه، وقد يؤثر ذلك سلباً في إبداعه. والخيال ميزته الأساسية أن تطلق له أجنحة الحرية في الإبداع والإلهام.
فن سردي
الروائية فاطمة المزروعي قالت: إن حكايات شهرزاد واحدة لا تتجزأ منذ أن كبرنا عليها، وإن اختلفت بداياتها ومصادرها وشخصياتها وصفات أبطالها، وهي تظل الحكاية العربية التي سافرت عبر العالم وارتدت إلينا مرة أخرى ضمن ترجمات عديدة وطبعات مختلفة منقحة وغير منقحة. وإذن، فنحن أمام حكاية عربية صرفة يشهد لها العالم، هي حكايات شهرزاد، وهي روايات شفاهية تناقلتها شفاه المتعلمين والأميين على حد سواء. وترى أن بعض الروايات اختلقت ولم ترد في طبعتها الأولى المنشورة في مطبعة بولاق سنة 1935.
وتضيف المزروعي موضحة أن الرواية فن قصصي سردي من بنات أفكار الكاتب، وهو حر في تناول الأحداث الواقعية والاجتماعية والتاريخية، والرواية قابلة لإضافة التاريخ القديم والجديد، وقابلة للتصديق والتكذيب، وبإمكان الروائي الاعتماد على حدث واحد في التاريخ وسرد روايته في ضوء هذه الشخصية مثل روايات: «موت صغير» لمحمد حسن علوان الذي تحدث عن شخصية ابن عربي، ومثل «دروز بلغراد» لربيع جابر الذي تناول حرب لبنان، لافتة إلى أننا لا يمكننا الاتكاء تاريخياً على أحداثها ولا تصديقها أو تكذيبها، لأن الكاتب حر في ما يكتبه ونحن كقراء يجب ألا نحاكمه بمنطق دقة أو تزييف التاريخ، لأنها بالأساس روايات متخيلة. وهنالك أيضاً روايات تاريخية تسرد وقائع حقيقية. ونقطة الالتقاء بينهما هو استنطاق الطير والحيوان والجماد والزمان والمكان والشخصيات والتشويق في رواية القصص والحكايات والحبكة والنهايات الحزينة والسعيدة. أما في موضوع الاستفادة فترى المزروعي أن العرب اعتمدوا على كتاب «ألف ليلة وليلة» كمصدر إلهام للمسرحيات وكاقتباسات في الأفلام والمسلسلات، أما الأجانب فقد استفادوا منها فحولوها إلى روايات وأفلام وصلت إلى الجوائز العالمية بسبب وجود صناعة الترفيه وثقة العالم بالأفلام التي تقدمها هوليود وشركة ديزني التي أنتجت العشرات من الأفلام مصدرها حكايات «ألف ليلة وليلة» مثل علاء الدين والمصباح السحري، والسندباد البحري، وعلي بابا والأربعين حرامي، وغيرها العشرات من القصص، التي تحولت إلى حكايات عالمية ألهمت الأجيال وكان مصدرها حكايات شهرزاد. وربما نحتاج إلى إعادة اكتشاف حكايات «ألف ليلة وليلة» لتقديم وجبة بصرية يستمتع بها النشء الجديد.