الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أدب الإمارات.. بين الأصالة والمعاصرة

أدب الإمارات.. بين الأصالة والمعاصرة
19 يناير 2023 01:41

محمد عبدالسميع 

بين الحديث والقديم، سؤالٌ مطروح دائماً في المشروع الثقافي المحلي والعربي، وفق شروط الأصالة والمعاصرة، وهما موضوعان يتزايد الاهتمام بهما اليوم في مشهدنا الثقافي المحلي، انطلاقاً من تأثيرات العالم التقني أو الأدب الرقمي الذي يفتح بابه على مصراعيه لكلّ جديد، وأمام ذلك كان لابدّ من أن تتخلل ذهابنا إلى الجديد في عالم الثقافة والإبداع الأدبي مراعاة أخلاقيّات إنسانيّة ومرجعيات قيمِيّة عالية، هذا ما أكّده مثقفون ونقاد وكتاب لـ«الاتحاد»، في قراءتهم لواقع الأدب الإماراتي وصعوده الموضوعي بتشجيع ودعم كبير من مؤسسات الدولة. 
وفي هذا المسعى قرؤوا بيئة الكاتب وتأثيرها عليه وعلى آفاقه وتطلعاته الإبداعيّة نحو ملامح جديدة لا تهجر القديم أو تتنازع معه، كما أكّدوا أيضاً أهمية الثقافة في تقارب الشعوب وعدم التقوقع على الذات، بدليل أن مثقفنا المحلي الذي وصل إلى مراتب من الشهرة والعالميّة، واكب خلالها الذائقة الإنسانيّة، وظلّ وعيُهُ قائماً بواقعه المحلي وأصالته الثقافية ومشروعه الذي يعمل له، ضمن ثقافة منفتحة تقرأ الآخر مثلما يقرؤنا، باعتبار الثقافة خزاناً يمدّ الإبداع ويفتح له المزيد من النوافذ والآفاق.
وتسوق الناقدة الدكتورة مريم الهاشمي حديثاً حول مدى مواءمة الأدب لدينا للمشهد الثقافي وحضوره الجيّد عربيّاً وإنسانيّاً على المستوى العالمي، إذ كان التساؤل نابعاً من الغيرة على نتاجنا الأدبي وعلى الحركة الثقافيّة في الدولة، وفي ذلك علينا أن نكون موضوعيين وأن نتحرّى الدّقة حين يقال إنّ النتاج الإماراتيّ في الأدب غير كافٍ، نسبياً، فهناك، كما تقول الهاشمي، أقلام جادّة وأقلام ما تزال تبحث عن الشهرة والدور والحضور، إضافة إلى دراسات نقديّة قيّمة، تاريخيّة وأدبيّة ومهمّة، ودوريّات ومؤتمرات وأبحاث منشورة، وكلّ ذلك من المهمّ جدّاً أن نشجّعه ونفتح له المجال، في ظلّ وجود إعلام وروّاد حملوا لواء السبق في الحراك الثقافيّ الإماراتي، فهل نهضم حقوقهم في ذلك؟!..

وتتابع الهاشمي مؤكدة أنّ مواكبة الأدب الإماراتي للعصر موضوعٌ يطول فيه الحديث، ويمكن أن نطرح مرتكزات رئيسة فيه، منها معرفة المفهوم أولاً، فهل اللهاث وراء الشهرة خلال الشاشات الرقميّة يدخل في ذلك، ويحدد مفهومنا لمواكبة العصر؟!.. أم أنّ علينا، في خضمّ كلّ هذه التكنولوجيا، أن نعزز من قيمنا الأخلاقيّة التي تحفظ الحضارة؟!.. وهل العصر بمفهوم اليوم هو العصر التكنولوجي الخاوي من القيمة الإنسانيّة؟!.. فمثل هذه الأسئلة مهمّة وجديرة بأن نناقشها قبل أن نقول أو نتساءل: هل لحقنا بالعصر أم أننا بعيدون عنه وينبغي أن نواكبه؟!

المرجع الأخلاقي
ومن جملة هذه التساؤلات، تطرح الهاشمي رأيها، انطلاقاً من أنّ مختلف جوانب الحياة الإنسانية أصبحت اليوم أكثر تعقيداً وقلقاً، وأنّ الحياة ليست سوى سلسلة من تجارب مختلفة، تندرج ضمنها التجارب الأدبيّة، مؤكّدةً أهميّة القِيَم في عصر تكنولوجي يتوسّع بسرعة هائلة، حتى بات «غولاً» لابدّ أن نحسن التعامل معه، إذ إنّ بعض جوانب استعمالنا له قد تصبح سلبيّة إن لم نحسن توظيفه، ولذلك تبرز أهمية القيم الإنسانيّة في عملية مواكبة المنصات الإلكترونية والتغيّرات المجتمعيّة، فلابدّ من إرساء قيمنا التي هي خير ضامن لمواجهة كل ذلك.
فالمرجع الأخلاقي، كما تقول الهاشمي، هو الأساس، باعتبار أنه يعطي الأدب أو الإبداع قيمته الإنسانيّة والحضاريّة، كمعيار في الصدق والأمانة والإتقان، لأنّ الإبداع الحقيقي لا يمكن أن يتخلّى عن مجموعة الأطر المرجعيّة والمتمثّلة في القيم الأخلاقيّة الجوهريّة، ومن ذلك يمكن أن نواكب وأن نبتعد عن الانغلاق والجمود.

تأثير البيئة
وترى الكاتبة فاطمة المزروعي أنّ الأدب، بما أنّه متغيّرٌ تبعاً للبيئة المحيطة به، سيتأثر بالتأكيد، إذ ينعكس هذا التغيّر على إبداع المثقف والمفكر والكاتب، لأننا دائماً ما نقول إنّ الإنسان هو ابن بيئته، السابقة أو العصريّة أو المستقبليّة أيضاً، إذ يطرح أفكاره في جوٍّ من هذه البيئة وحضور لها، وتنطلق المزروعي من ذلك إلى أنّ ملامح الأدب الإماراتي المعاصر برزت متمحورةً حول نقاط عديدة، أهمها التطوّر الحاصل وتدخّل التكنولوجيا وتنافذ أعمال من الذات نحو المجتمع.

المواضيع العميقة
وتقول المزروعي، إنّ كلّ هذا الزخم الأدبي الذي تشهده الساحة الثقافية في الإمارات، لم يؤثر في مفردات وأصالة الماضي في الشعر والسرد، ومع ذلك فهناك أصوات أصبحت تتحدث بلغة «الميتا»، ولو بشكل سطحي، وهو ما يبشّر في المستقبل بطرح مواضيع أكثر عمقاً حول تطوّر الأدب.

المحليّة والعالميّة
وينطلق الكاتب والباحث الدكتور محمد حمدان بن جرش من أنّ الكثير من النصوص الأدبيّة يتجاوز ذاتيّة الكاتب وعوالمه الداخليّة ليكون نافذةً يطلّ منها القراء نحو عالم أوسع وشعوب أخرى في مراحل مختلفة من تاريخها، وهو ما يوفّر لنا فرصة التعرّف على حياة الشعوب وقيمها وعاداتها وأنماط حياتها اليومية، باتجاه التواصل معها، خصوصاً المجتمعات التي لم تكن تتوفر لدينا معلومات أو أفكار عنها، باستثناء المعلومات العاديّة أو الجافة التوثيقيّة، ولذلك يؤكّد بن جرش أنّ عالميّة الأدب لا تتناقض بحال من الأحوال مع مفهوم المحليّة، بل ربما أسهمت العالميّة في قراءة أعمال محليّة لم تكن معروفة، أتيحت لها الفرصة لأن يتسع مجال قراءتها ويزداد عدد قرائها بما تحمله من فكر ومعرفة، إذا ما علمنا أنّ أعمالاً روائيّةً تمكّنت من ملامسة وجدان القارئ في بيئات أخرى.

الثقافة والإبداع
وقد سعى كثير من الأعمال الأدبيّة في الإمارات، كما يرى بن جرش، إلى النهل من الواقع المحليّ، خاصةً في النتاج الروائيّ والقصصي، وهو ما يعكس وعياً مهمّاً لدى الكاتب الإماراتي بواقعه المحليّ، وبعلاقة الأدب عموماً وبذاكرة الشعب وهويته. ويرى بن جرش أنّه لا يكفي تعاطي الكاتب مع قضية محلية ليكون نصه الأدبي قادراً على تكوين ذلك الجسر المطلوب بين ذاكرة الشعب والقارئ، فالنص الأدبي هو أولاً وأخيراً عمل إبداعي، أي أن الإبداع فيه هو الأساس.
ويقول إنّ الثقافة تلعب دوراً كبيراً في تكوين الأفكار الإبداعيّة، فهي تمنح الأفكار العمق المطلوب، مشدّداً على أنّ الثقافة بمثابة خزان كبير للإبداع، حين تمدّه بالآليات المناسبة لتطوير الأفكار.

المشروع الثقافي
وفي الإمارات، تنتعش الثقافة بشكل واضح، بفضل جهود التقدّم والتنمية، فعى رغم كلّ التحديات، تسير الثقافة بشكلٍ مطرد ومتصاعد، إذ تمّ التمثّل الأنسب لأسئلة الثقافة والرهانات الحقيقيّة التي تنهض بسؤالها وطنيّاً، خصوصاً حين بدا أن المثقف الإماراتي يبلغ آفاقاً رحبة ويحصد نجاحاتٍ خارج حدود بلده، بإرادة قويّة أوصلت بعض مبدعينا إلى العالمية في عرض أعمالهم أو ترجمتها، وهو ما نحتاج معه، كما يرى بن جرش، إلى زيادة تفعيل دور المثقف محليّاً، خاصةً عبر المؤسسات الثقافية المحليّة. ويطرح ابن جرش سؤالاً حول مدى التوازن أو التناسب بين التراكم الثقافي ومستوى القراءة والاستهلاك، ومن ذلك يتساءل حول حضور النقد الثقافي والأدبي في تنقيح الأعمال الإبداعية وإبراز الأهم والأفضل منها، وهل يتبنى المبدع المراجعات الأدبية التي تدفعه إلى إبداع أعمق، وهل لدى المبدع مشروعه الثقافي والفكري للارتقاء والنهوض بالثقافة المحليّة، وما مدى قابليّة ما ينتجه لأن يتجدد.

الأقلام الشابة
وترى الكاتبة الشابة نوف الحضرمي أنّ الثقافة الإماراتية تعاصر الجديد وتواكبه، مثلما تهتم بالتقنيات وتسترجع ضمنها الأصيل من الماضي، في سياق مواكبة موضوعية للحداثة الجديدة في العصر الرقمي، من خلال أعمال عصرية تتطلبها مجتمعاتنا، وهو ما يؤكد حضور الأقلام الشابة اليوم ويشجعها على الكتابة في قضايا و«ثيمات» العصر بمواضيع أدبيّة وثقافيّة ذات دلالة ورسالة أدبية وعمق ثقافي وفكري.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©