فاطمة عطفة (أبوظبي) كانت «الاتحاد» على موعد لمشاهدة فيلم «حجر الرحى» مساء أمس، وهو من إعداد وإخراج الكاتب والسينمائي ناصر الظاهري، ويشكل الفيلم ملحمة أدبية وفنية وعمرانية متميزة من تاريخ الإمارات خلال المئة سنة الماضية.
والكاتب يرصد أحوال إمارة أبوظبي، انطلاقاً من مدينة العين، مستهلاً عمله الملحمي الكبير بلقطات من التراث الشعبي تظهر قسوة الحياة سابقاً، من شح المياه والاعتماد على مياه الأمطار، إلى عدم وجود وسائل الانتقال الحديثة فلا يوجد في البر غير الإبل والخيول، وفي البحر مراكب صغيرة تعتمد على المجاديف والعمل اليدوي.
وتحدث عن اللؤلؤ ومتاعب الغوص. وكان الأهالي يمضون 4 أشهر من السنة في البحر، و8 شهور في البادية، وكان القيظ في العين شديداً حيث لا مكيفات ولا كهرباء. ونظراً لقلة الماء، كانت الزراعة شبه معدومة، وأظهر الفيلم لقطات من صعوبات الزراعة من البذار والحرث، حيث كان العمل يجري بجهود يدوية مضنية وانتظار المطر ورحمة السماء.
واحة وارفة ولكن تلك الحياة الشحيحة القاسية، وما فيها من صعوبات في مدينة العين وما حولها، بدأت تتغير بشكل جذري مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، فمنذ شبابه واستلام أمور مدينة العين سنة 1946، كان مشغولاً بقضايا تنموية وحضارية كبيرة من توفير السكن والماء إلى نشر العلم وتطوير الزراعة، والاهتمام بالتاريخ والتراث والعناية والرعاية لشؤون الجميع، دون تمييز بين غني وفقير.
وكان الأغنياء يسقون نخيلهم مرتين في الشهر، والفقراء لا يتمكنون من ري نخيلهم إلا مرة كل شهرين، فتدخل الشيخ زايد طالباً من الأغنياء أن يساعدوا إخوانهم وجيرانهم في سقاية نخيلهم. والتفت أيضاً إلى الأفلاج فعمل على ترميمها، واهتم بالزراعة وتشجير سفوح جبل حفيت، وجعل مدينة العين واحة وارفة تزهو بالحدائق الخضراء والمساكن الجميلة، وكان يحب الصقور والصيد، والثقافة العريقة والتراث الأصيل.
ومنذ استلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي سنة 1966، عمل على تطوير كل المرافق الحيوية من وسائل نقل عصرية ومدارس ومياه وكهرباء وصحة ومساكن مريحة، وبادر بالعمل على تحويل الأبنية البسيطة والأرض الرملية إلى مدينة عصرية بكل معنى الكلمة. وكان يرى أن الماء وسيلة لتحقيق أهدافه، وفي العمران كان يحب الشوارع المستقيمة، وخلال وقت قياسي بدأت العاصمة أبوظبي تتحول إلى مدينة عامرة بالمؤسسات، وكان اهتمامه كبيراً ببناء المدارس وتوفير التعليم للشباب والبنات، وكان يساعد العائلات التي تعتمد على عمل أولادها لكي تسمح لهم بدخول المدرسة ومتابعة التعليم.
قراءة مكثفة لقد كانت حكمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحبه للناس جميعاً، وتحقيق العدالة وترسيخ العلاقات الأخوية الطيبة بين الجميع، كانت أساس حكمه الرشيد، ثم قام الاتحاد فكان تتويجاً للجهود الميمونة التي بذلها القائد المؤسس بالتعاون مع إخوانه حكام الإمارات.
وقد قدم الفيلم خلاصة وقراءة مكثفة عن سيرة وحياة حكيم العرب ومسيرته الحضارية، وذلك من خلال عشرات الشهود الذين كانوا معه، وكانت ملامح التاريخ تبدو في وجوههم ولحاهم المكللة بالشيب وخبرة السنين. وهكذا انتهت الرواية و«حجر الرحى» تدور، وحولها يتناثر خير القمح وبركة العطاء.