رشا طبيلة (أبوظبي)
شهد متحف اللوفر أبوظبي أمس استقبال لوحة ليوناردو دافينشي «القديس يوحنا المعمدان» المعارة من متحف اللوفر، والتي تعد من أشهر روائع عصر النهضة وستعرض في صالات العرض الدائمة في المتحف بدءاً من اليوم 8 نوفمبر ولمدة عامين، لتظهر هذه اللوحة الإبداعية لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط.
وشهدت «الاتحاد» أمس في متحف اللوفر أبوظبي، مراسم تعليق هذه اللوحة التي أبدع في رسمها دافينشي باستخدام لون واحد، وظلت غير مكتملة بعد وفاته، حيث كانت في حيازة شخصيات بارزة مثل الملك تشارلز الأول ملك إنجلترا وعقبه ملك فرنسا لويس الرابع عشر قبل انضمامها إلى مجموعة مقتنيات متحف اللوفر عقب افتتاحه عام 1793.
وعُلِّقت اللوحة في المتحف بحضور معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة، رئيس متحف اللوفر أبوظبي، ومانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي، وفنسنت ديليوفين، أمين اللوحات الإيطالية التي تنتمي إلى القرن السادس عشر في متحف اللوفر - قسم اللوحات، ومجموعة من الشخصيات الثقافية المرموقة الأخرى. وستكون اللوحة متاحة أمام الزوار في قاعة العرض رقم 7 ابتداءً من اليوم 8 نوفمبر.
ويعد عرض لوحة «القديس يوحنا المعمدان» في اللوفر أبوظبي حلقة من سلسلة مكونة من أربع قطع فنية رئيسة سيقدمها متحف اللوفر على سبيل الإعارة، وذلك في إطار تمديد الاتفاقية الحكومية الموقعة في 3 ديسمبر 2021 بين كل من وزيرة الثقافة الفرنسية آنذاك روزالين باشيلو نركين، ومعالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة، رئيس متحف اللوفر أبوظبي.
وتجلت عبقرية ليوناردو دافينشي في لوحة «القديس يوحنا المعمدان»، وجسدت ذروة إبداعات عصر النهضة بأكمله، حيث تعتبر واحدة من أشهر لوحات متحف اللوفر. ويعد الغموض والبهاء اللذان ينبعثان من شخصية القديس يوحنا وأسلوب الجلاء والقتمة «كياروسكورو» الذي طُبق بمهارة بالغة في رسم هذه اللوحة عناصر متميزة جعلتها موضع إعجاب لملايين الزوّار الذين يأتون إلى المتحف الأكثر زيارةً على مستوى العالم كل عام.
رحلة اللوحة
وتفصيلاً حول تنقل اللوحة، ظلت لوحة القديس يوحنا المعمدان في حوزة دافينشي، حيث أحضرها معه حين سافر إلى فرنسا ليستقر فيها عام 1516 تلبيةً لدعوة الملك فرانسيس الأول (1494 - 1547). وعندما توفي ليوناردو دافينشي في عام 1519، كانت اللوحة لا تزال غير مكتملة جزئياً -بما في ذلك الذراع اليمنى والفراء الذي يغطي الجسم، وانتقلت اللوحة التي حصل عليها الملك الفرنسي إلى مجموعة مقتنيات الملك تشارلز الأول ملك إنجلترا (1600 - 1649) عام 1630 تقريباً، وذلك قبل أن تنضم إلى مجموعة لويس الرابع عشر في عام 1662. ثم ظلت اللوحة بعد ذلك ضمن المجموعة الملكية الفرنسية حتى انضمت إلى متحف اللوفر في خضمّ الثورة الفرنسية.
ومن المقرر أن يحتفل اللوفر أبوظبي بذكرى تأسيسه الخامسة من خلال مجموعة من الفعاليات والأنشطة والبرامج الثقافية والتعليمية، وذلك تحت شعار «وتستمر القصة الكبرى»
لحظة تاريخية
وأكد معالي محمد خليفة المبارك، رئيس متحف اللوفر أبوظبي، لـ«الاتحاد»: «إن وصول لوحة (يوحنا المعمدان) التي تُعد إحدى روائع الفن العالمي تزامناً مع الاحتفال بالعام الخامس لتأسيس متحف اللوفر أبوظبي يعكس عمق التعاون المثمر مع شركائنا في فرنسا، ويعزز من مكانة أبوظبي باعتبارها مركزاً ثقافياً عالمياً».
وأضاف: «خلال شهر واحد، نحن نحتفل بمجموعة متميزة من الفعاليات الثقافية في إمارة أبوظبي بما في ذلك القمة الثقافية أبوظبي، ومعرض فن أبوظبي، وبالطبع هذا الحدث البارز في المتحف».
وقال المبارك «على مدار السنوات الخمس الماضية، تطور متحف اللوفر أبوظبي ليصبح أحد أبرز المتاحف في العالم العربي حيث يتوافد عليه الزوار من داخل وخارج الدولة، وأصبح لديهم الآن سبب آخر يحفزهم لزيارة المتحف واستكشاف هذا العمل الفني الرائع الذي يصور لحظة تاريخية استثنائية».
مانويل راباتيه لـ «الاتحاد»: مليون زائر سنوياً للخمس سنوات المقبلة
قال مانويل راباتيه مدير متحف اللوفر أبوظبي في حديث لـ«الاتحاد» إن إعارة هذه اللوحة المميزة تعكس قوة وعمق العلاقة بين متحف اللوفر أبوظبي ومتحف اللوفر فهذه اللوحة هدية ثمينة وندعو الزوار للتعرف على أفضل الأعمال الفنية والإنسانية والتي ستظل تعرض لمدة عامين كاملين.
وأكد أن «عرض هذه اللوحة سيؤثر إيجاباً على زيادة عدد زوار المتحف حيث وصلنا إلى أكثر من 3.2 مليون زائر خلال الخمس سنوات على رغم صعوبة عامين منها بسبب جائحة كورونا، ونتوقع أن نحقق أداء إيجابياً ونمواً في الزوار للخمس سنوات المقبلة». وقال: «نأمل أن نسجل مليون زائر سنوياً للخمس سنوات المقبلة»..
وأشار إلى أن هذه التحفة الفنية في متحف اللوفر أبوظبي ستكون فرصة ذهبية للزوار من سكان الدولة والعائلات والأطفال والطلبة والسياح للتعرف على هذه الأيقونة الفنية وستجذب المواهب إلى أبوظبي.
وأكد أن إعارة مثل هذه اللوحات تعكس النهج المتجدد لمتحف اللوفر أبوظبي لإعطاء الفرصة للوصول إلى هذه القطع المميزة، حيث نسرد قصص الأعمال الفنية، ونعطي لزوارنا والسياح والطلاب القدرة على استكشاف الأعمال الفنية عن قرب وبشكل مباشر.
وأوضح راباتيه: «لدينا برامج إعارة سريعة ومؤقتة وأخرى تأخد وقتاً طويلاً مع شركائنا من فرنسا والسعودية والأردن وعُمان والإمارات الأخرى ونسعى للخمس سنوات المقبلة توسيع شراكاتنا مع شركائنا الحاليين ودول أخرى أيضاً».
وأكد أن «إعارة مثل هذه اللوحة تعد التزاماً لنا لمدة عامين وتؤكد على عمق العلاقة والثقة والالتزام بين متحف اللوفر أبوظبي ومتحف اللوفر في باريس».
وحول خطط المتحف للخمس سنوات المقبلة، قال راباتيه: «سنستمر في سرد قصص عالمية عبر الفنون والمعارض والقطع الفنية والتقنيات الحديثة، ونستمر في الابتكار وتعزيز الشراكات إضافة إلى إثراء تجارب الزوار وأن نكون جزءاً من النسيج المجتمعي بمختلف شرائحه، فضلاً عن أن مهمتنا للخمس سنوات المقبلة ستكون تعليمية ومعرفية وبحثية ليكون متحف اللوفر أبوظبي مكاناً للمعرفة والتعليم والتميز من خلال التعاون مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية».
ثريا نجيم لـ «الاتحاد»: «يوحنا المعمدان» رمز لعبقرية دافينشي
وصفت الدكتورة ثريا نجيم مديرة إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في متحف اللوفر أبوظبي، لحظة استقبال اللوحة بالتاريخية، وقالت: «تسرد اللوحة قصة الفنان ليوناردو دافنشي وسفر اللوحة لعدة مدن وكيف كانت من مقتنيات البلاط الملكي الفرنسي والبريطاني ثم انتقلت لمتحف اللوفر، واليوم تسافر وتأتي إلى متحف اللوفر أبوظبي».
وأشارت إلى أن هذه اللوحة عمل فيها الفنان ليوناردو دافينشي عدة سنوات حتى وفاته، حيث كان يجرب تقنياته بالرسم فيها لتصبح رمزاً لعبقريته. وأضافت: «لمسته التي لم تنتهِ في اللوحة جعلتها ذات قيمة أكبر».
وأكدت: «نتشرف باستقبال أبوظبي لهذه اللوحة القيمة وبقائها لعامين، حيث إنها ليست فقط للسياح بل هي فرصة كبيرة للفنانين الذين يستطيعون رؤيتها في أبوظبي». وقالت: «إعارتها لنا من متحف اللوفر تعكس عمق وقوة العلاقة بين المتحفين».
وأضافت: «إن احتفالنا بالعيد الخامس لمتحف اللوفر أبوظبي مع واحدة من أكثر اللوحات المفضلة لليوناردو دا فينشي يعد هدية قيمة للجمهور مع الرسالة التي تقدمها».
فنسنت ديليوفين لـ «الاتحاد»: اللوحة رُسمت بلون الظل والضوء
قال فنسنت ديليوفين أمين اللوحات الإيطالية التي تنتمي إلى القرن السادس عشر في متحف اللوفر-قسم اللوحات، في حديث مع «الاتحاد» إن ليوناردو دافينشي عاش حياة فنية طويلة ولكنه رسم لوحات قليلة، لأنه كان يعتمد على قاعدة الرسم المبني على العلم، إضافة إلى أن هدفه كان التطوير من تقنياته بالرسم.
وأضاف «رسم ليوناردو دافينشي آخر 3 لوحات له في فترة بين 15 إلى 20 عاماً حيث كانت تلك اللوحات إرثاً علمياً». وشرح ديليوفين جوانب من ميزات اللوحة حيث استخدم فيها فقط لوناً واحداً بعكس لوحة الموناليزا التي استخدم فيها ألواناً عدة، ليستطيع من خلال النور والضوء أن يعطي حياة للوحة لتعبر عن الظل والضوء حيث استخدم طبقات شفافة من اللون ليعطي تحولاً بين الضوء والظلال.
وأضاف: «ظلت هذه اللوحة غير مكتملة لأن الفنان كان يحاول أن يعطي تأثير التحول بين الظلال والضوء بشكل أكبر، وفي حال عاش الفنان أكثر من 10 سنوات ستبقى اللوحة غير منتهية لأنها جزء من تجاربه».
وقال ديليوفين: «بعد أن سافرت اللوحة في أوروبا، تأتي اليوم إلى مكان استثنائي هو اللوفر أبوظبي». وأكد: «لدينا 5 لوحات له في المتحف بباريس ونحن نتميز بوجود آخر 3 أعمال له».