محمد عبد السميع
حين نتحدّث عن الترجمة، باعتبارها عاملاً مهمّاً في تقارب الشعوب والحضارات، فإنّ السؤال الذي يتبادر إلينا هو هل لدى (الآخر) الأجنبيّ فكرة عنّا كمشروع ثقافي عربي، يشتمل على المنجز الحضاري والعلمي والثقافي في القديم والحديث؟!.. وكيف تصله هذه الفكرة، وما هي (الترجمات) التي تكون وسيطاً بيننا وبينه نحو فهم إنساني مشترك؟!
هذا السؤال في الواقع يجرّ معه أسئلةً حول من يقوم بالترجمة: المكتب العادي الذي يعتمد ترجمة الوثائق أو الترجمات الإلكترونيّة المضحكة في طريقة لفظ لغتنا ونقلها إلى غيرنا، أو المترجم الهاوي الذي لديه حظٌّ عادي من المعرفة يجعله يقدّم العمومي على التفصيلي؟ وما هي صفات المترجم؟ وماذا أنجزنا نحن من ترجمات تتوخّى الدقة والموضوعيّة والأمانة لإيصال صورتنا إلى العالم؟!.. هل هناك كمٌّ ونوعٌ من الكتب العربيّة المترجمة إلى الإنجليزية تحمل فعلاً منجزنا الإبداعي والثقافي والفكري؟ وهل صحيحٌ أنّ هناك مناطق لم تكن لديها فكرة عنّا كعرب إلا بعد جائحة كورونا أو الأحداث الكبرى التي تعيشها المنطقة العربيّة؟
هل تبرر لهفتنا للترجمة إلى الآخر أن نسارع دون فهم لمعنى الترجمة، أو إحاطة بمعنى النصّ وتفاصيله، أو تهذيب الترجمة من الأخطاء المعرفيّة والدلاليّة للألفاظ؟!.. وتذهب الأسئلة حتماً إلى ما هو أبعد من ذلك: هل يستحقّ هذا الكتاب أو ذاك أن يترجم لنا، وهل يقدّم الصورة الكافية والحقيقيّة عن الموضوع قيد الترجمة أو النقل؟
كيف نقنع الآخر بثقافتنا ومزاياها، وهو يتلقاها من غيرنا؟!.. هذا كان محوراً رئيساً، تؤكّده مبادرات دولة الإمارات العربيّة المتحدة في الترجمة، كجهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في الاهتمام بالمُنتج الإبداعي العربي ونقله إلى الآخرين بثقة وموضوعيّة ولغة صافية. وهذه الجهود الواضحة في الترجمة، تكللت بفعاليات الدورة 49 لمعرض لندن الدولي للكتاب الذي استضاف إمارة الشارقة ضيف شرف، ما فتح الباب على مصراعيه فيما يخصّ الترجمة من العربيّة إلى الإنجليزيّة، باعتبار هذه الاستضافة جاءت وفق مقوّمات وجيهة جعلت من تداول جناح الشارقة للكتاب فرصةً لنسأل أنفسنا: ماذا حقق العرب في ترجمة أعمالهم الفكرية والثقافيّة والأدبيّة وغيرها من المؤلفات؟
ولذلك تقدّم الإمارات عبر مشروعات الترجمة المتميزة العديدة في الدولة صورتنا وثقافتنا ورؤيتنا الحضاريّة إلى العالم.
تقول الكاتبة أسماء الزرعوني: إننا كمثقفين وكتاب ونخبويين نقرأ بالتأكيد الكتب المترجمة، فنحن نتداول كتب الغرب الذي يتعطّش أساساً للاطلاع على ثقافتنا وأدبنا العربي، والمعادلة تشير إلى أنّ الكتب العربيّة المترجمة إلى اللغات الأجنبيّة قليلة جدّاً. وترى أنّ انتظار المثقفين والكتاب لم يذهب سدًى، إذ كانت رؤية صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، داعمة ومشجّعة لترجمة أعمال معيّنة لكتاب إماراتيين وعرب، وقد تمّ تخصيص ميزانيّة لهذا الموضوع.
وتقول الكاتبة شيماء المرزوقي: إننا نعاني أصلاً في عالمنا العربي من مشكلة التواصل الفعّال الحقيقي مع الآخر، ولذلك تبدو الترجمة -كفعل مهم في تعاطينا مع هذا (الآخر) وفهمه لنا وفهمنا له- ضروريّةً جدّاً كشرط لتوصيل أفكارنا وما نحن عليه.
وأكّدت أنّ ضعف الترجمة عربياً ليس إلا انعكاساً لضعفنا الواضح في أدبنا العربيّ، أو هو جانب من جوانب هذا الضعف، ومثل هذا ضعف الحركة النقديّة أيضاً، أمام تطلعات ترجمة أعمالنا إلى لغات أخرى، ولذلك فسيتعين هذا الجهد حتماً على المؤلف نفسه في تقديم أعماله والبحث عن دُور نشر أجنبيّة تتبنى هذه الأعمال.
تكريس التواصل
ومن جهته، رأى الناشر المكسيكي مجيل لماس أنّ بعض الدول لا يطلع الجمهور فيها بالقدر الكافي على الثقافة العربية، وهذا ما يبرز الحاجة إلى تكريس التواصل من خلال الترجمة ونقل الثقافة والعلوم والمعارف العربية للعالم.
وفي المقابل، ترى الناشرة الأميركيّة أويف لينون ريتشي أنّ هناك حركة ترجمة واضحة للكتب العربيّة في الفترة الماضية بشكلٍ أوسع، وهو ما انعكس على زيادة الكتب العربيّة المترجمة، ومن وجهة نظرها فإنّ الناس في الفترة الماضية كان تفكيرهم نابعاً من حبّهم لمتابعة الأفلام والكتب بلغة بلادهم، ولكننا مع جائحة كورونا رأينا العكس، فقد وجدنا أنّهم يبحثون عن الأفلام والكتب بلغات أخرى، خاصة الروايات والأفلام العربيّة، وهو ما شجّع على زيادة الإقبال على الكتب المترجمة، ولذلك فالمجال متوفّر لأن نبني على ذلك ونزيد من حجم وزخم المترجم نحو التقاء الثقافات وتعارفها.
ومن جانبه، يقول الناشر د. محمد الخطيب: إنّ عدم ترجمة الكتب العربيّة سببه ضعف الإنتاج العربي وعدم القدرة على تسويق المنتج، في وقت نحن محتاجون فيه إلى أن يكون ما نبدع وما نكتبه موجوداً لدى الآخر ليطّلع عليه ويتعرّف من خلاله على ثقافتنا وتفكيرنا، فهناك الكثير من الدول الأجنبيّة تشتري كُتباً بلغات أجنبيّة أخرى لرغبتها في معرفة ثقافات الدول المختلفة، ومن هذا المنطلق فنحن كدول عربية بحاجة ضرورية إلى جهة قادرة على تسويق المنتج الأدبي والفكري العربي في كلّ أسواق العالم.
ولفتت الكاتبة الإماراتيّة نوف الحضرمي إلى أنّ الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية تعاني من ضعفٍ في الإقبال عليها، وتعزو ذلك إلى أنّ أخطاءً كثيرة تقع في سوق النشر، من حيث وجود الإصدارات غير المنقّحة في الإملاء والنحو والصياغة والفكرة، وأحياناً انتشار كثيرين ممن يطلقون على أنفسهم صفة كُتّاب دون وعيٍ أو إدراك منهم لأهميّة هذا المسمّى.
منحة الترجمة
ومن العلامات المضيئة في مشروع الشارقة الثقافي المتعلّق بالترجمة «صندوق منحة الترجمة»، الرامي إلى تشجيع حركة الترجمة من اللغة العربيّة وإليها، وتأكيدها، وحفز المترجمين على الإقبال عليها، لتقديم النتاج الثقافي إلى المكتبة العربيّة والعالميّة، ورفدها بمعارف وعلوم معاصرة، وقد انطلقت هذه المبادرة بتوجيهات من صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، عام 2011، خلال الدورة 30 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، بمنحة ماليّة تصل إلى 250 ألف دولار لترجمة المؤلفات من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، أو من اللغات الأخرى إلى اللغة العربيّة، في مواضيع: الخيال، والمذكرات، ومؤلفات التاريخ، وكتب الطهي، والأطفال، ودواوين الشّعر.
وقد أعلنت المنحة خلال الدورة 31 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب عن 78 كتاباً من أصل 200 مؤلّف تلقتها هيئة الشارقة للكتاب من دور النشر العربية والعالمية وفق شروط ومعايير المنحة، حيث شملت عدة لغات هي الإنجليزيّة والفرنسيّة والتركيّة والهندية والرومانية والفارسيّة والآيسلنديّة والدنماركيّة والبولنديّة، وفي نظرة على الترجمات آنذاك، فقد كانت لنخبة من الأعمال العالميّة.
جائزة «ترجمان»
«ترجمان» جائزةً أطلقتها هيئة الشارقة للكتاب، في الدورة 35 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، لتقريب وجهات النظر الإنسانيّة بين الثقافات ونقل الصورة الصحيحة والحضاريّة عن الثقافتين العربية والإسلاميّة، وهي الجائزة الأولى من نوعها على مستوى العالم الممنوحة للأعمال المترجمة من اللغة العربية إلى لغات أجنبيّة، كمؤلفات رصينة.
تبلغ قيمة الجائزة الإجماليّة مليوناً وأربعمئة ألف درهم إماراتي، منها 100 ألف درهم ينالها مترجم الكتاب الفائز، ومليون وثلاثمئة ألف درهم خصصت لدور النشر الأجنبيّة والعربيّة تنال منها دار النشر صاحبة حقوق نشر الترجمة الأجنبية للكتاب الفائز 70%، فيما تنال دار النشر صاحبة حقوق نشر النسخة العربية في طبعتها الأولى من الكتاب الفائز 30%.
ترجمات
أعلنت إدارة معرض الشارقة للكتاب بعد عامين من إطلاق منحة الترجمة عن 76 كتاباً جديداً مترجماً للعربيّة، من المؤلفات الحاصلة على المنحة في مسابقة العام 2013، منها 44 كتاباً نقل من الإنجليزية إلى العربية، و8 مؤلفات من العربية إلى الإنجليزية، و6 من الفرنسية إلى العربية، رافقتها 5 مؤلفات تُرجمت من التركية إلى العربية، إلى جانب مؤلفات نُقلت إلى لغات أخرى مثل الألمانية والرومانية والمجرية والمالايالامية والبوسنية.